{ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } قال مجاهد : غاسقُ الليلُ إذا وقبَ : غُروبُ الشمس ، حكاه البخاري عنه . ورواه ابن أبي نَجِيح ، عنه ، وكذا قال ابن عباس ، ومحمد بن كعب القرظي ، والضحاك ، وخُصَيف ، والحسن ، وقتادة : إنه الليل إذا أقبل بظلامه .
وقال الزهري : { وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } : الشمس إذا غربت . وعن عطية وقتادة : إذا وقب الليل : إذا ذهب . وقال أبو المهزم ، عن أبي هريرة : { وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } كوكب . وقال ابن زيد : كانت العرب تقول : الغاسق سقوط الثريا ، وكان{[30843]} الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها ، وترتفع عند طلوعها .
قال ابن جرير : ولهؤلاء من الأثر ما حدثني نصر بن علي ، حدثني بكار بن عبد الله - ابن أخي همام - حدثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن أبي سلمة ، عن أبي هُرَيرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " { وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } قال : النجم الغاسق " {[30844]} .
قلت : وهذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن جرير : وقال آخرون : هو القمر .
قلت : وعمدة أصحاب هذا القول ما رواه الإمام أحمد :
حدثنا أبو داود الحَفري ، عن ابن أبي ذئب ، عن الحارث ، عن أبي سلمة قال : قالت عائشة ، رضي الله عنها : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، فأراني القمر حين يطلع ، وقال : " تَعوَّذِي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب " .
ورواه الترمذي والنسائي ، في كتابي التفسير من سننيهما ، من حديث محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب ، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن ، به{[30845]} . وقال الترمذي : حسن صحيح . ولفظه : " تعوذي بالله من شر هذا ، فإن هذا الغاسق إذا وقب " . ولفظ النسائي : " تعوَّذي بالله من شر هذا ، هذا الغاسق إذا وقب " .
قال أصحاب القول الأول وهو أنه الليل إذا ولج : هذا لا ينافي قولنا ؛ لأن القمر آيةُ الليل ، ولا يوجد له سلطان إلا فيه ، وكذلك النجوم لا تضيء ، إلا في الليل ، فهو يرجع إلى ما قلناه ، والله أعلم .
وقوله : { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } يقول : ومن شرّ مظلم إذا دخل ، وهجم علينا بظلامه .
ثم اختلف أهل التأويل في المظلم الذي عُنِي في هذه الآية ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منه ، فقال بعضهم : هو الليل إذا أظلم . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : الليل .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، قال : أنبأنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : أوّل الليل إذا أظلم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا أبو صخر ، عن القرظي أنه كان يقول في : { غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } يقول : النهار إذا دخل في الليل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن رجل من أهل المدينة ، عن محمد بن كعب { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : هو غروب الشمس إذا جاء الليل ، إذا وقب .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { غاسِقٍ } قال : الليل { إذَا وَقَبَ } قال : إذا دخل .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : الليل إذا أقبل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : إذا جاء .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله { إذَا وَقَبَ } يقول : إذا أقبل .
وقال بعضهم : هو النهار إذا دخل في الليل ، وقد ذكرناه قبلُ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن رجل من أهل المدينة ، عن محمد بن كعب القُرَظِيّ { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : هو غروب الشمس إذا جاء الليل ، إذا وجب .
وقال آخرون : هو كوكب . وكان بعضهم يقول : ذلك الكوكب هو الثّريا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا سليمان بن حِبّان ، عن أبي المُهَزّم ، عن أبي هريرة في قوله : { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : كوكب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : كانت العرب تقول : الغاسق : سقوط الثريا ، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها ، وترتفع عند طلوعها .
ولقائلي هذا القول عِلّة من أثر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وهو ما :
حدثنا به نصر بن عليّ ، قال : حدثنا بكار بن عبد الله بن أخي هَمّام ، قال : حدثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم { وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : النجم الغاسق .
وقال آخرون : بل الغاسق إذا وقب : القمر ، ورووا بذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم خبرا .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن سفيان ، قال : حدثنا أبي ويزيد بن هارون به .
وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ، عن خاله الحرث بن عبد الرحمن ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة قالت : أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيدي ، ثم نظر إلى القمر ، ثم قال : «يا عائِشَةُ ، تَعَوّذِي باللّهِ مِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ ، وَهَذَا غاسِقٌ إذَا وَقَبَ » ، وهذا لفظ حديث أبي كُرَيب وابن وكيع . وأما ابن حُمَيد ، فإنه قال في حديثه : قالت أخَذَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيدي ، فقال : «أتَدْرِينَ أيّ شَيْءٍ هَذَا ؟ تَعَوّذِي باللّهِ مِنْ شَرّ هَذَا ، فإنّ هَذَا الْغاسِقُ إذَا وَقَبَ » .
حدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الحرث بن عبد الرحمن ، عن عائشة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر . فقال : «يا عائِشَةُ اسْتَعِيذِي باللّهِ مِنْ شَرّ هَذَا ، فإنّ هَذَا الْغاسِقُ إذَا وَقَبَ » .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، أن يقال : إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ { مِنْ شَرّ غاسِقٍ } وهو الذي يُظْلم ، يقال : قد غَسَق الليل يَغْسُق غسوقا : إذا أظلم . { إذَا وَقَبَ } يعني : إذا دخل في ظلامه ، والليل إذا دخل في ظلامه غاسق ، والنجم إذا أفل غاسق ، والقمر غاسق إذا وقب ، ولم يخصص بعض ذلك ؛ بل عمّ الأمر بذلك ، فكلّ غاسق ، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يُؤمر بالاستعاذة من شرّه إذا وقب . وكان قتادة يقول في معنى وقب : ذهب .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال : إذا ذهب .
ولست أعرف ما قال قتادة في ذلك في كلام العرب ؛ بل المعروف من كلامها من معنى وقب : دخل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.