تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱتۡرُكِ ٱلۡبَحۡرَ رَهۡوًاۖ إِنَّهُمۡ جُندٞ مُّغۡرَقُونَ} (24)

{ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا } أي : بحاله وذلك أنه لما سرى موسى ببني إسرائيل كما أمره الله ثم تبعهم فرعون فأمر الله موسى أن يضرب البحر فضربه فصار اثنى عشر طريقا وصار الماء من بين تلك الطرق كالجبال العظيمة فسلكه موسى وقومه .

فلما خرجوا منه أمره الله أن يتركه رهوا أي : بحاله ليسلكه فرعون وجنوده { إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱتۡرُكِ ٱلۡبَحۡرَ رَهۡوًاۖ إِنَّهُمۡ جُندٞ مُّغۡرَقُونَ} (24)

وقوله هاهنا : { وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ } وذلك أن موسى ، عليه السلام ، لما جاوز هو وبنو إسرائيل البحر ، أراد موسى أن يضربه بعصاه حتى يعود كما كان ، ليصير حائلا بينهم وبين فرعون ، فلا يصل إليهم . فأمره الله{[26209]} أن يتركه على حاله ساكنًا ، وبشره بأنهم جند مغرقون فيه {[26210]} ، وأنه لا يخاف دركًا ولا يخشى .

قال ابن عباس : { وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا } كهيئته وامضِهْ . وقال مجاهد { رهوا } طريقًا يبسًا كهيئته ، يقول : لا تأمره يرجع ، اتركه حتى يرجع آخرهم . وكذا قال عكرمة ، والربيع بن أنس ، والضحاك ، وقتادة ، وابن زيد وكعب الأحبار وسِمَاك بن حرب ، وغير واحد{[26211]} .


[26209]:- (5) في ت: "تعالى".
[26210]:- (6) في ت: "أي في البحر"، وفي أ: "أي فيه".
[26211]:- (7) في ت: "وغيرهما".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱتۡرُكِ ٱلۡبَحۡرَ رَهۡوًاۖ إِنَّهُمۡ جُندٞ مُّغۡرَقُونَ} (24)

وقوله : وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوا يقول : وإذا قطعت البحر أنت وأصحابُك ، فاتركه ساكنا على حاله التي كان عليها حين دخلته . وقيل : إن الله تعالى ذكره قال لموسى هذا القول بعد ما قطع البحر ببني إسرائيل فإذ كان ذلك كذلك ، ففي الكلام محذوف ، وهو : فسرَى موسى بعبادي ليلاً ، وقطع بهم البحر ، فقلنا له بعد ما قطعه ، وأراد ردّ البحر إلى هيئته التي كان عليها قبل انفلاقه : اتركّه رَهْوا . ذكر من قال ما ذكرنا من أن الله عزّ وجلّ قال لموسى صلى الله عليه وسلم هذا القول بعد ما قطع البحر بقومه :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَدَعا رَبّهُ أنّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ حتى بلغ إنّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ قال : لما خرج آخر بني إسرائيل أراد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب البحر بعصاه ، حتى يعود كما كان مخافة آل فرعون أن يدركوهم ، فقيل له : اتْرُكِ البَحْرَ رَهْوا إنّهُمْ جُنْدٌ مُغْرقُونَ .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : لما قطع البحر ، عطف ليضرب البحر بعصاه ليلتئم ، وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده ، فقيل له : اتْرُكِ البَحْرَ رَهْوا كما هو إنّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ .

واختلف أهل التأويل في معنى الرهْو ، فقال بعضهم : معناه : اتركه على هيئته وحاله التي كان عليها . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوا يقول : سَمْتا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوا إنّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ قال : الرهو : أن يترك كما كان ، فإنهم لن يخلُصوا من ورائه .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا حميد ، عن إسحاق ، عن عبد الله بن الحارث ، عن أبيه ، أن ابن عباس سأل كعبا عن قول الله : وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوا قال : طريقا .

وقال آخرون : بل معناه : اتركه سَهْلاً . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، قوله : وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوا قال : سهلاً .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوا قال : يقال : الرهو : السهل .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا حرميّ بن عُمارة قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرني عمارة ، عن الضحاك بن مُزاحم ، في قول الله عزّ وجلّ : وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوا قال : دَمثا .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوا قال : سهلاً دمثا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوا قال : هو السهل . وقال آخرون : بل معناه : واتركه يبسا جددا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني عبيد الله بن معاذ ، قال : ثني أبي ، عن شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله : وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوا قال : جددا .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني عبيد الله بن معاذ ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله : وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوا قال : يابسا كهيئته بعد أن ضربه ، يقول : لا تأمره يرجع ، اتركه حتى يدخل آخرهم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : رَهوا قال : طريقا يَبَسا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوا كما هو طريقا يابسا .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معناه : اتركه على هيئته كما هو على الحال التي كان عليها حين سَلكْته ، وذلك أن الرهو في كلام العرب : السكون ، كما قال الشاعر :

كأَنما أهْلُ حُجْرٍ يَنْظُرُونَ مَتى *** يَرَوْنَنِي خارِجا طَيْرٌ يَنادِيد

طَيرٌ رأَتْ بازِيا نَضْحُ الدّماءِ بِهِ *** وأُمّهُ خَرَجَتْ رَهْوا إلى عِيد

يعني على سكون ، وإذا كان ذلك معناه كان لا شكّ أنه متروك سهلاً دَمِثا ، وطريقا يَبَسا لأن بني إسرائيل قطعوه حين قطعوه ، وهو كذلك ، فإذا ترك البحر رهوا كما كان حين قطعه موسى ساكنا لم يُهج كان لا شكّ أنه بالصفة التي وصفت .

وقوله : إنّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ يقول : إن فرعون وقومه جند ، الله مغرقهم في البحر .