تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا} (56)

{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

وهذا فيه تنبيه على كمال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ورفعة درجته ، وعلو منزلته عند اللّه وعند خلقه ، ورفع ذكره . و { إِنَّ اللَّهَ } تعالى { وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ } عليه ، أي : يثني اللّه عليه بين الملائكة ، وفي الملأ الأعلى ، لمحبته تعالى له ، وتثني عليه الملائكة المقربون ، ويدعون له ويتضرعون .

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } اقتداء باللّه وملائكته ، وجزاء له على بعض حقوقه عليكم ، وتكميلاً لإيمانكم ، وتعظيمًا له صلى اللّه عليه وسلم ، ومحبة وإكرامًا ، وزيادة في حسناتكم ، وتكفيرًا من سيئاتكم وأفضل هيئات الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام ، ما علم به أصحابه : " اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " وهذا الأمر بالصلاة والسلام عليه مشروع في جميع الأوقات ، وأوجبه كثير من العلماء في الصلاة

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا} (56)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إن الله وملائكته يصلون على النبي} صلى الله عليه وسلم، أما صلاة الرب عز وجل فالمغفرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأما صلاة الملائكة فالاستغفار للنبي صلى الله عليه وسلم.

{يأيها الذين آمنوا صلوا عليه} استغفروا للنبي صلى الله عليه وسلم {وسلموا تسليما}.

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

يحيى: عن مالك، عن نعيم بن عبد الله المجمر، عن محمد بن عبد الله بن زيد، أنه أخبره عن أبي مسعود الأنصاري، أنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تمنينا أنه لم يسأل ثم قال: (قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد)، والسلام كما قد علمتم.

تفسير الشافعي 204 هـ :

قال الشافعي: فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة، ووجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصفت، من أن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضٌ في الصلاة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: إن الله وملائكته يبرّكون على النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم...

وقد يحتمل أن يقال: إن معنى ذلك: أن الله يرحم النبيّ، وتدعو له ملائكته ويستغفرون، وذلك أن الصلاة في كلام العرب من غير الله إنما هو دعاء...

"يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ" يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا ادعوا لنبيّ الله محمد صلى الله عليه وسلم، "وَسَلّمُوا عَلَيْهِ تَسْلِيما" يقول: وحيوه تحية الإسلام... حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عنبسة، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه، قال: أتى رجل النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: سمعت الله يقول: "إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلى النّبِيّ". فكيف الصلاة عليك؟ فقال: «قُلِ: اللّهُمّ صَلّ على مُحَمّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمّدٍ، كمَا صَلّيْتَ عَلى إبْراَهِيمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبارِكْ عَلى مُحَمّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمّدٍ، كمَا بارَكْتَ عَلى إبْراهِيمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».

حدثني جعفر بن محمد الكوفي، قال: حدثنا يعلى بن الأجلح، عن الحكم بن عُتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي لَيلى، عن كعب بن عُجرة، قال: لما نزلت: إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلى النّبِيّ يا أيها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَلّمُوا تَسْلِيما قمت إليه، فقلت: السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك يا رسول الله؟ قال: «قُلِ اللّهُمّ صَلّ على مُحَمّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمّدٍ، كمَا صَلّيْتَ عَلى إبْراهِيمَ وآلِ إبْراهِيمَ، إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبارِكْ عَلى مُحَمّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمّدٍ، كمَا بارَكْتَ عَلى إبْراهِيمَ وآلِ إبْراهِيمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد، عن إبراهيم في قوله "إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ" الآية، قالوا: يا رسول الله هذا السلام قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا: «اللّهُمّ صَلّ عَلى مَحَمّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وأهْلِ بَيْتِهِ كمَا صَلّيْتَ عَلى إبْراهِيمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ففي الآية الأمر للمؤمنين أن يصلوا على النبي، ثم لما سئل هو عن كيفية الصلاة عليه وماهيتها قال لهم: أن تقولوا: اللهم صل على محمد، وهو سؤال أن يتولى الرب الصلاة عليه.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{إنَّ اللَّهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أن صلاة الله تعالى عليه ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء، قاله أبو العالية.

{وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} يحتمل وجهين: أحدهما: سلموا لأمره بالطاعة له تسليماً.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وصلاة الله تعالى هو ما فعله به من كراماته وتفضيله وإعلاء درجاته ورفع منازله وثنائه عليه، وغير ذلك من أنواع إكرامه.

وصلاة الملائكة عليه مسألتهم الله تعالى أن يفعل به مثل ذلك.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أراد الله -سبحانه- أن تكون للأمة عنده -صلى الله عليه وسلم- يَدُ خدمةٍ كما له بالشفاعة عليهم يَدُ نعمةٍ، فأَمَرَهم بالصلاة عليه، وفي هذا إشارة إلى أن العبدَ لا يستغني عن الزيادة من الله في وقتٍ من الأوقات؛ إذ لا رتبةَ فوق رتبةِ الرسولِ، وقد احتاج إلى زيادةِ صلواتِ الأمَّةِ عليه.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

وأما السلام على الرسول فهو أن تقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، هذا في حق أصحاب رسول الله، وكانت السنة لهم أن يواجهوا الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الوجه، فأما في حق سائر المؤمنين ففي التشهد يقول على ما هو المعروف.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

هذه الآية شرف الله بها رسوله عليه السلام حياته وموته، وذكر منزلته منه، وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء، أو في أمر زوجاته ونحو ذلك.

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

{إن الله وملائكته يصلون على النبي} يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه.

{يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه} اعتنوا انتم أيضا فإنكم أولى بذلك وقولوا: اللهم صل على محمد.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

قال النووي: إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم، فلا يقتصر على أحدهما فلا يقول:"صلى الله عليه فقط"، ولا "عليه السلام "فقط، وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية الكريمة، وهي قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، فالأولى أن يقال: صلى الله عليه وسلم تسليما.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

... واعلم أنا لم نقف على أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون على النبي كلما جرى ذكر اسمه ولا أن يكتبوا الصلاة عليه إذا كتبوا اسمه، ولم نقف على تعيين مبدأ كتابة ذلك بين المسلمين؛ والذي يبدو أنهم كانوا يصلون على النبي إذا تذكروا بعض شؤونه كما كانوا يترحمون على الميِّت إذا ذكروا بعض محاسنه.

وفي « السيرة الحلبية»: « لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترى عمر من الدهش ما هو معلوم، وتكلم أبو بكر بما هو معلوم قال عمر: إنا لله وإنا إليه راجعون صلواتُ الله على رسوله، وعند الله نحتسب رسوله» وروى البخاري في باب: متى يحلّ المعتمر: عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تقول كلما مرت بالحَجون « صلى الله على رسوله محمد وسلم لقد نزلنا معه ههنا ونحن يومئذٍ خِفاف» إلى آخره ثم أحدثت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل الكتب في زمن هارون الرشيد، ذكر ذلك ابن الأثير في « الكامل» في سنة إحدى وثمانين ومائة، وذكره عياض في « الشفاء»، ولم يذكرا صيغة التصلية. وفي « المخصص» لابن سيده في ذكر الخُف والنعل: إن أبا مُحَلِّم بعث إلى حذَّاء بنعل ليحذوها وقال له: « ثم سُنَّ شَفْرَتك وسُنّ رأس الإِزميل ثم سَمِّ باسم الله وصلّ على محمد ثم انحها» إلى آخره، قال النووي في مقدمة شرحه على « صحيح مسلم» « يستحب لكاتب الحديث إذا مر بذكر الله أن يكتب عز وجل أو تعالى،أو سبحانه وتعالى أو تبارك وتعالى أو جل ذكره أو تبارك اسمه أو جلت عظمته أو ما أشبه ذلك، وكذلك يكتب عند ذكر النبي « صلى الله عليه وسلم بكمالها لا رامزاً إليها ولا مقتصراً على بعضها، ويكتب ذلك وإن لم يكن مكتوباً في الأصل الذي ينقل منه، فإن هذا ليس رواية وإنما هو دعاء.

وينبغي للقارئ أن يقرأ كل ما ذكرناه وإن لم يكن مذكوراً في الأصل الذي يقرأ منه ولا يَسأم من تكرر ذلك، ومن أغفل ذلك حُرم خيراً عظيماً»ـ

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا} (56)

هذه الآية شرف الله بها رسوله عليه السلام حياته وموته ، وذكر منزلته منه ، وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء ، أو في أمر زوجاته ونحو ذلك . والصلاة من الله رحمته ورضوانه ، ومن الملائكة الدعاء والاستغفار ، ومن لأمة الدعاء والتعظيم لأمره

مسألة : واختلف العلماء في الضمير في قوله : " يصلون " فقالت فرقة : الضمير فيه لله والملائكة ، وهذا قول من الله تعالى شرف به ملائكته ، فلا يصحبه الاعتراض الذي جاء في قول الخطيب : من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بئس الخطيب أنت ، قل ومن يعصى الله ورسوله ) أخرجه الصحيح . قالوا : لأنه ليس لأحد أن يجمع ذكر الله تعالى مع غيره في ضمير ، ولله أن يقع في ذلك ما يشاء . وقالت فرقة : في الكلام حذف ، تقديره إن الله يصلي وملائكته يصلون ، وليس في الآية اجتماع في ضمير ، وذلك جائز للبشر فعله . ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بئس الخطيب أنت ) لهذا المعنى ، وإنما قال لأن الخطيب وقف على ومن يعصهما ، وسكت سكتة . واستدلوا بما رواه أبو داود عن عدي بن حاتم أن خطيبا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من يطع الله ورسول ومن يعصهما . فقال : ( قم - أو اذهب - بئس الخطيب أنت ) . إلا أنه يحتمل أن يكون لما خطأه في وقفه وقال له : ( بئس الخطيب ) أصلح له بعد ذلك جميع كلامه ، فقال : ( قل ومن يعص الله ورسوله ) كما في كتاب مسلم . وهو يؤيد القول الأول بأنه لم يقف على " ومن يعصهما " . وقرأ ابن عباس : " وملائكته " بالرفع على موضع اسم الله قبل دخول " إن " . والجمهور بالنصب عطفا على المكتوبة .

قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " فيه خمس مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " أمر الله تعالى عباده بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم دون أنبيائه تشريفا له ، ولا خلاف في أن الصلاة عليه فرض في العمر مرة ، وفي كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه . الزمخشري : فإن قلت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة أم مندوب إليها ؟ قلت : بل واجبة . وقد اختلفوا في حال وجوبها ، فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره . وفي الحديث : ( من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله ) . وروى أنه قيل له : يا رسول الله ، أرأيت قول الله عز وجل : " إن الله وملائكته يصلون على النبي " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا من العلم المكنون ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به إن الله تعالى وكل بي ملكين فلا أذكر عند مسلم فيصلي علي إلا قال ذلك الملكان غفر الله لك ، وقال الله تعالى وملائكته جوابا لذينك الملكين أمين ، ولا أذكر عند عبد مسلم فلا يصلي علي إلا قال ذلك الملكان لا غفر الله لك ، وقال الله تعالى وملائكته لذينك الملكين أمين ) . ومنهم من قال : تجب في كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره كما قال في آية السجدة وتشميت العاطس . وكذلك في كل دعاء في أوله وآخره ، ومنهم من أوجبها في العمر . وكذلك قال في إظهار الشهادتين . والذي يقتضيه الاحتياط : الصلاة عند كل ذكر ، لما ورد من الأخبار في ذلك .

الثانية- واختلفت الآثار في صفة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فروى مالك عن أبي مسعود الأنصاري قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم ) . ورواه النسائي عن طلحة مثله بإسقاط قوله : ( في العالمين ) وقوله : ( والسلام كما قد علمتم ) . وفي الباب عن كعب بن عجرة وأبي حميد الساعدي وأبي سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وبريدة الخزاعي وزيد بن خارجة ، ويقال ابن حارثة أخرجها أئمة أهل الحديث في كتبهم . وصحح الترمذي حديث كعب بن عجرة . أخرجه مسلم في صحيحه مع حديث أبي حميد الساعدي . قال أبو عمر : روى شعبة والثوري عن الحكم ابن عبد الرحمن بن ابن ليلى عن كعب بن عجرة قال : لما نزل قوله : تعالى : " يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة ؟ فقال : ( قل اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) وهذا لفظ حديث الثوري لا حديث شعبة وهو يدخل في التفسير المسند إليه لقول الله تعالى : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " فبين كيف الصلاة عليه وعلمهم في التحيات كيف السلام عليه ، وهو قوله : ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) . وروى المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة عن الأسود عن عبد الله أنه قال : إذا صليتم على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه ، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قالوا فعلمنا ، قال : ( قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ونبيك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون . اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حمد مجيد ) . ورويناه بالإسناد المتصل في كتاب ( الشفا ) للقاضي عياض عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : عدهن في يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( عدهن في يدي جبريل وقال : هكذا أنزلت من عند رب العزة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) . قال ابن العربي : من هذه الروايات صحيح ومنها سقيم ، وأصحها ما رواه مالك فاعتمدوه . ورواية غير مالك من زيادة الرحمة مع الصلاة وغيرها لا يقوى ، وإنما على الناس أن ينظروا في أديانهم نظرهم في أموالهم ، وهم لا يأخذون في البيع دينارا معيبا ، وإنما يختارون السالم الطيب ، كذلك لا يؤخذ من الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم سنده ، لئلا يدخل في حيز الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هو يطلب الفضل إذا به قد أصاب النقص ، بل ربما أصاب الخسران المبين .

الثالثة- في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم . ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ) . وقال سهل بن عبد الله : الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم أفضل العبادات ؛ لأن الله تعالى تولاها هو وملائكته ، ثم أمر بها المؤمنين ، وسائر العبادات ليس كذلك . قال أبو سليمان الداراني : من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يسأل الله حاجته ، ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يرد ما بينهما . وروى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي عنه أنه قال : الدعاء يحجب دون السماء حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا جاءت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رفع الدعاء . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من صلى علي وسلم علي في كتاب لم تزل الملائكة يصلون عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب ) .

الرابعة- واختلف العلماء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، فالذي عليه الجم الغفير والجمهور الكثير : أن ذلك من سنن الصلاة ومستحباتها . قال ابن المنذر : يستحب ألا يصلي أحد صلاة إلا صلى الله عليه وسلم فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن ترك ذلك تارك فصلاته مجزية في مذاهب مالك وأهل المدينة وسفيان الثوري وأهل الكوفة من أصحاب الرأي وغيرهم . وهو قول جل أهل العلم . وحكي عن مالك وسفيان أنها في التشهد الأخير مستحبة ، وأن تاركها في التشهد مسيء ، وشذ الشافعي فأوجب على تاركها في الصلاة الإعادة وأوجب إسحاق الإعادة مع تعمد تركها دون النسيان . وقال أبو عمر : قال الشافعي إذا لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير بعد التشهد وقبل التسليم أعاد الصلاة . قال : وإن صلى الله عليه وسلم عليه قبل ذلك لم تجزه . وهذا قول حكاه عنه حرملة بن يحيى ، لا يكاد يوجد هكذا عن الشافعي إلا من وراية حرملة عنه ، وهو من كبار أصحابه الذين كتبوا كتبه . وقد تقلده أصحاب الشافعي ومالوا إليه وناظروا عليه ، وهو عندهم تحصيل مذهبه . وزعم الطحاوي أنه لم يقل به أحد من أهل العلم غيره . وقال الخطابي وهو من أصحاب الشافعي : وليست بواجبة في الصلاة ، وهو قول جماعة الفقهاء إلا الشافعي ، ولا أعلم له فيها قدوة . والدليل على أنها ليست من فروض الصلاة عمل السلف الصالح قبل الشافعي وإجماعهم عليه ، وقد شنع عليه في هذه المسألة جدا . وهذا تشهد ابن مسعود الذي اختاره الشافعي وهو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك كل من روي التشهد عنه صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عمر : فإن أبو بكر يعلمنا الشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان في الكتاب . وعلمه أيضا على المنبر عمر ، وليس فيه ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .

قلت : قد قال بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة محمد بن المواز من أصحابنا فيما ذكر ابن القصار وعبد الوهاب ، واختاره ابن العربي للحديث الصحيح : إن الله أمرنا أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك ؟ فعلم الصلاة ووقتها فتعينت كيفية ووقتا . وذكر الدارقطني عن أبي جعفر محمد ابن علي بن الحسين أنه قال : لو صليت صلاة لم أصل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم ولا على أهل بيته لرأيت أنها لا تتم . وروي مرفوعا عنه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم . والصواب أنه قول أبي جعفر ، قاله الدارقطني .

الخامسة- قوله تعالى : " وسلموا تسليما " قال القاضي أبو بكر بن بكير : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم فأمر الله أصحابه أن يسلموا عليه . وكذلك من بعدهم أمروا أن يسلموا عليه عند حضورهم قبره وعند ذكره . وروى النسائي عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر يرى في وجهه ، فقلت : إنا لنرى البشرى في وجهك ! فقال : ( إنه أتاني الملك فقال يا محمد إن ربك يقول أما يرضيك إنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشرا ) . وعن محمد بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما منكم من أحد يسلم علي إذا مت إلا جاءني سلامه مع جبريل يقول يا محمد هذا فلان بن فلان يقرأ عليك السلام فأقول وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ) وروى النسائي عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام ) . قال القشيري : والتسليم قولك : سلام عليك .