{ 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ }
( التين ) هو التين المعروف ، وكذلك { الزَّيْتُونَ } أقسم بهاتين الشجرتين ، لكثرة منافع شجرهما وثمرهما ، ولأن سلطانهما في أرض الشام ، محل نبوة عيسى ابن مريم عليه السلام .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وهي مكية ، لا أعرف في ذلك خلافا بين المفسرين . ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
الحقيقة الرئيسية التي تعرضها هذه السورة هي حقيقة الفطرة القويمة التي فطر الله الإنسان عليها ، واستقامة طبيعتها مع طبيعة الإيمان ، والوصول بها معه إلى كمالها المقدور لها . وهبوط الإنسان وسفوله حين ينحرف عن سواء الفطرة واستقامة الإيمان .
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
سميت في معظم كتب التفسير ومعظم المصاحف سورة والتين بإثبات الواو تسمية بأول كلمة فيها . وسماها بعض المفسرين سورة التين بدون الواو لأن فيها لفظ { التين } كما قالوا سورة البقرة، وبذلك عنونها الترمذي وبعض المصاحف . وهي مكية عند أكثر العلماء قال ابن عطية : لا أعرف في ذلك خلافا بين المفسرين ، ولم يذكرها في الإتقان في عداد السور المختلف فيها . وذكر القرطبي عن قتادة أنها مدنية ، ونسب أيضا إلى ابن عباس ، والصحيح عن ابن عباس أنه قال : هي مكية ...
أغراضها: احتوت هذه السورة على التنبيه بأن الله خلق الإنسان على الفطرة المستقيمة ليعلموا أن الإسلام هو الفطرة كما قال في الآية الأخرى { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها } وأن ما يخالف أصوله بالأصالة أو بالتحريف فساد وضلال ، ومتبعي ما يخالف الإسلام أهل ضلالة . والتعريض بالوعيد للمكذبين بالإسلام . والإشارة بالأمور المقسم بها إلى أطوار الشرائع الأربعة إيماء إلى أن الإسلام جاء مصدقا لها وأنها مشاركة أصولها لأصول دين الإسلام . والتنويه بحسن جزاء الذين اتبعوا الإسلام في أصوله وفروعه . وشملت الامتنان على الإنسان بخلقه على أحسن نظام في جثمانه ونفسه . ...
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
في السورة تنويه بتكوين الإنسان ومواهبه ، وتنبيه إلى ما يمكن أن يتردى إليه من الانحطاط بالانحراف عن الإيمان والعمل الصالح ، وتوكيد بالجزاء الأخروي واتساق ذلك مع عدل الله وحكمته ، والسورة عامة التوجيه والعرض . وقد روت بعض الروايات أنها مدنية ، غير أن أكثر الروايات متفقة على مكيتها وأسلوبها يؤيد ذلك . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
هذه السّورة تدور آياتها حول حسن خلقة الإنسان ومراحل تكامله ونموّه وانحطاطه . وتبدأ بقسم عميق المعنى ، تذكر عوامل انتصار الإنسان ونجاته ، وتنتهي بالتأكيد على مسألة المعاد وحاكمية اللّه المطلقة . ...
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
أقسم الله عز وجل بالتين الذي يؤكل ، والزيتون الذي يخرج منه الزيت . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ" ؛
فقال بعضهم : عُنِي بالتين : التين الذي يؤكل ، والزيتون : الزيتون الذي يُعْصر ... وقال آخرون : التين : مسجد دمشق ، والزيتون : بيت المقدس ...
والصواب من القول في ذلك عندنا : قول من قال : التين : هو التين الذي يُؤكل ، والزيتون : هو الزيتون الذي يُعصر منه الزيت ، لأن ذلك هو المعروف عند العرب ، ولا يُعرف جبل يسمى تينا ، ولا جبل يقال له زيتون ، إلاّ أن يقول قائل : أقسم ربنا جلّ ثناؤه بالتين والزيتون ، والمراد من الكلام : القسمَ بمنابت التين ، ومنابت الزيتون ، فيكون ذلك مذهبا ، وإن لم يكن على صحة ذلك أنه كذلك دلالة في ظاهر التنزيل ، ولا من قول من لا يجوز خلافه ، لأن دمشق بها منابت التين ، وبيت المقدس منابت الزيتون . ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قوله تعالى : { والتين والزيتون } { وطور سنين } { وهذا البلد الأمين } قسم أقسم تأكيدا للحجج التي أقامها ما لو لا القسم لكان ما ذكر يوجب ذلك ، لكن في القسم تأكيد ما ذكر من الحجة...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
أراد بهما نعم الله تعالى على عباده التي منها التين والزيتون ، لأن التين طعام ، والزيتون إدام . ...
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
قيل : خص التين بالقسم لأنها فاكهة مخلصة لا عجم لها ، شبيهة بفواكه الجنة . والزيتون شجرة مباركة جاء بها الحديث ، وهو تمر ودهن يصلح للاصطباغ والاصطباح . ...
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
وَإِنَّمَا أَقْسَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالتِّينِ لِيُبَيِّنَ فِيهِ [ وَجْهَ ] الْمِنَّةِ الْعُظْمَى ، فَإِنَّهُ جَمِيلُ الْمَنْظَرِ ، طَيِّبُ الْمَخْبَرِ ، نَشِرُ الرَّائِحَةِ ، سَهْل الْجَنْيِ ، عَلَى قَدْرِ الْمُضْغَةِ ،.. وَلِامْتِنَانِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ ، وَتَعْظِيمِ النِّعْمَةِ فِيهِ ، فَإِنَّهُ مُقْتَاتٌ مُدَّخَرٌ . فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ . وَإِنَّمَا فَرَّ كَثِيرٌ من الْعُلَمَاءِ من التَّصْرِيحِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ تَقِيَّةَ جَوْرِ الْوُلَاةِ، فَإِنَّهُمْ يَتَحَامَلُونَ فِي الْأَمْوَالِ الزَّكَائِيَّةِ ، فَيَأْخُذُونَهَا مَغْرَمًا ، حَسْبَمَا أَنْذَرَ بِهِ الصَّادِقُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَرِهَ الْعُلَمَاءُ أَنْ يَجْعَلُوا لَهُمْ سَبِيلًا إلَى مَالٍ آخَرَ يَتَشَطَّطُونَ فِيهِ . وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نِعْمَةِ رَبِّهِ بِأَدَاءِ حَقِّهِ .
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
والأظهر أنهما الموضعان من الشام وهما اللذان كان فيهما مولد عيسى ومسكنه ، وذلك أن الله ذكر بعد هذا الطور الذي كلم عليه موسى ، والبلد الذي بعث منه محمد صلى الله عليه وسلم ...
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
فقوله تعالى { والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين } إقسام منه بالأمكنة الشريفة العظيمة الثلاثة ، التي ظهر فيها نوره وهداه وأنزل فيها كتبه الثلاثة : التوراة والإنجيل والقرآن ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويقسم الله - سبحانه - على هذه الحقيقة بالتين والزيتون ، وطور سينين ، وهذا البلد الأمين ، وهذا القسم على ما عهدنا في كثير من سور هذا الجزء - هو الإطار الذي تعرض فيه تلك الحقيقة . وقد رأينا في السور المماثلة أن الإطار يتناسق مع الحقيقة التي تعرض فيه تناسقا دقيقا .
وطور سينين هو الطور الذي نودي موسى - عليه السلام - من جانبه . والبلد الأمين هو مكة بيت الله الحرام . . وعلاقتهما بأمر الدين والإيمان واضحة . . فأما التين والزيتون فلا يتضح فيهما هذا الظل فيما يبدو لنا .
وقد كثرت الأقوال المأثورة في التين والزيتون . . قيل : إن التين إشارة إلى طور تينا بجوار دمشق ...
وقيل في الزيتون : إنه إشارة إلى طور زيتا في بيت المقدس . ...
ومن ثم فإننا لا نملك أن نجزم بشيء في هذا الأمر . وكل ما نملك أن نقوله - اعتمادا على نظائر هذا الإطار في السور القرآنية - : إن الأقرب أن يكون ذكر التين والزيتون إشارة إلى أماكن أو ذكريات ذات علاقة بالدين والإيمان . أو ذات علاقة بنشأة الإنسان في أحسن تقويم [ وربما كان ذلك في الجنة التي بدأ فيها حياته ] . . كي تلتئم هذه الإشارة مع الحقيقة الرئيسية البارزة في السورة ؛ ويتناسق الإطار مع الحقيقة الموضوعة في داخله . على طريقة القرآن . . .
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
ولاحظ بعض المفسرين أن طور سينين مهبط وحي موسى عليه السلام ، والبلد الأمين مهبط وحي محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن فلسطين كانت مشهورة بكروم زيتونها وتينها وهي مهبط وحي عيسى عليه السلام ، وأن التساوق يقضي أن يكون المقصود هو فلسطين المشهورة بتينها وزيتونها . وفي هذا وجاهة ظاهرة . ...
الأولى- قوله تعالى : " والتين والزيتون " قال ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وجابر بن زيد ومقاتل والكلبي : هو تينكم الذي تأكلون ، وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت ، قال اللّه تعالى : " وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين{[16177]} " [ المؤمنون : 20 ] . وقال أبو ذر : أهدي للنبي صلى اللّه عليه وسلم سلُّ تين ، فقال : [ كلوا ] وأكل منه . ثم قال : [ لو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه ، لأن فاكهة الجنة بلا عجم{[16178]} ، فكلوها فإنها تقطع البواسير ، وتنفع من النقرس ] . وعن معاذ : أنه استاك بقضيب زيتون ، وقال سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول : [ نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة ، يطيب الفم ، ويذهب بالحفر{[16179]} ، وهي سواكي وسواك الأنبياء من قبلي ] . وروي عن ابن عباس أيضا : التين : مسجد نوح عليه السلام الذي بني على الجودي ، والزيتون : مسجد بيت المقدس . وقال الضحاك : التين : المسجد الحرام ، والزيتون المسجد الأقصى . ابن زيد : التين : مسجد دمشق ، والزيتون : مسجد بيت المقدس . قتادة : التين : الجبل الذي عليه دمشق : والزيتون : الجبل الذي عليه بيت المقدس . وقال محمد بن كعب : التين : مسجد أصحاب الكهف ، والزيتون : مسجد إيلياء . وقال كعب الأخبار وقتادة أيضا وعكرمة وابن زيد : التين : دمشق ، والزيتون : بيت المقدس . وهذا اختيار الطبري . وقال الفراء : سمعت رجلا من أهل الشام يقول : التين : جبال ما بين حلوان إلى همذان ، والزيتون : جبال الشام . وقيل : هما جبلان بالشام ، يقال لهما طور زيتا وطور تينا بالسريانية سميا بذلك لأنهما ينبتانهما . وكذا روى أبو مكين عن عكرمة ، قال : التين والزيتون : جبلان بالشام . وقال النابغة :
أتَيْنَ التينَ عن عُرُضٍ{[16180]}
وهذا اسم موضع . ويجوز أن يكون ذلك على حذف مضاف ، أي ومنابت التين والزيتون . ولكن لا دليل على ذلك من ظاهر التنزيل ، ولا من قول من لا يجوز خلافه . قاله النحاس .
الثانية- وأصح هذه الأقوال الأول ؛ لأنه الحقيقة ، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا بدليل . وإنما أقسم اللّه بالتين ، لأنه كان ستر آدم في الجنة ؛ لقوله تعالى : " يخصفان عليهما من ورق الجنة{[16181]} " [ الأعراف : 22 ] وكان ورق التين . وقيل : أقسم به ليبين وجه المنة العظمى فيه ، فإنه جميل المنظر ، طيب المخبر ، نشر{[16182]} الرائحة ، سهل الجني ، على قدر المضغة . وقد أحسن القائل فيه :
انظر إلى التين في الغصون ضُحىً *** ممزق الجلد مائل العُنُقِ
كأنه رب نعمةٍ سلبت *** فعاد بعد الجديد في الخَلَقِ
أصغر ما في النهود أكبره *** لكن يُنَادَى عليه في الطرقِ
التين يعدل عندي كل فاكهة *** إذا انثنى مائلا في غصنه الزاهي
مُخَمَّش الوجه قد سالت حلاوته *** كأنه راكع من خشية الله
وأقسم بالزيتون لأنه مثل به إبراهيم في قوله تعالى : " يوقد من شجرة مباركة زيتونة{[16183]} " [ النور : 35 ] . وهو أكثر أُدَم أهل الشام والمغرب ؛ يصطبغون{[16184]} به ، ويستعملونه في طبيخهم ، ويستصبحون به ، ويداوي به أدواء الجوف والقروح والجراحات ، وفيه منافع كثيرة . وقال عليه السلام : [ كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة ] . وقد مضى في سورة " المؤمنون " القول فيه{[16185]} .
الثالثة- قال ابن العربي : ولامتنان البارئ سبحانه ، وتعظيم المنة في التين ، وأنه مقتات مدخر فلذلك{[16186]} قلنا بوجوب الزكاة فيه . وإنما فرّ كثير من العلماء من التصريح بوجوب الزكاة فيه ، تقية جور الولاة ، فإنهم يتحاملون في الأموال الزكاتية ، فيأخذونها مغرما ، حسب ما أنذر به الصادق صلى اللّه عليه وسلم . فكره العلماء أن يجعلوا لهم سبيلا إلى مال آخر يتشططون فيه ، ولكن ينبغي للمرء أن يخرج عن نعمة ربه ، بأداء حقه . وقد قال الشافعي لهذه العلة وغيرها : لا زكاة في الزيتون . والصحيح وجوب الزكاة فيهما{[16187]} .
لما كان التين أحسن الفواكه تقويماً فيما ذكروا من فضيلته ، وهو مع كونه فاكهة شهية حلوة جداً - غذاء يقيم الصلب وقوت كالبر وسريع الهضم ، ودواء كثير النفع يولد دماً صالحاً وينفع الرئة والكلى ويلين الطبع ويحلل البلغم ويزل رمل المثانة ويفتح سدد الكبد والطحال ، فكان جامعاً لجميع منافع المتناولات من الغذاء والتفكه والتحلي والتداوي ، فهو كامل في مجموع ما هو فيه من لذة طعمه وكثرة نفعه ، وكونه كفاكهة الجنة بلا شائبة تعوق عن أكله من صنوان يتعب أو نوى يرمى ، مع أنه ينتفع به رطباً ويابساً ، وهو مع ذلك في سرعة فساده وسوء تغيره أسفلها رتبة وأردؤها مغبة ، فهو كالفطرة الأولى في مبدئه سهولة وحسناً وقبولاً لكل من الإصلاح والتغير ، كآخر الهرم عند نهايته في عظيم تغيره بحيث إنه لا ينتفع بشيء منه إذا تغير ، وغيره من الفواكه إذا فسد جانب منه بقي آخر فكان في هذا كالقسم للسافل من الإنسان أقسم الله تعالى به فقال : { والتين } بادئاً به لأن القسم المشار به إليه أكثر ، فالاهتمام به أكبر .
ولما كان الزيتون في عدم فساد يطرقه أو تغير يلحقه ، وفيه الدسومة والحرافة والمرارة ، وهو إدام ودواء مع تهيئه للنفع بكل حال في أكله بعد تزييته والتنوير بدهنه والادهان به لإزالة الشعث وتنعيم البشرة وتقوية العظم وشد العصب وغير ذلك من المنافع مع لدنه وما يتبع ذلك من فضائله الجمة كالمؤمن تلاه به فقال : { والزيتون * }