تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَٰحَسۡرَةً عَلَى ٱلۡعِبَادِۚ مَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (30)

قال اللّه مترحما للعباد : { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي : ما أعظم شقاءهم ، وأطول عناءهم ، وأشد جهلهم ، حيث كانوا بهذه الصفة القبيحة ، التي هي سبب لكل شقاء وعذاب ونكال " .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَٰحَسۡرَةً عَلَى ٱلۡعِبَادِۚ مَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (30)

قوله تعالى : { يا حسرة على العباد } منصوب ؛ لأنه نداء نكرة ولا يجوز فيه غير النصب عند البصريين . وفي حرف أبي :{ يا حسرة العباد } على الإضافة . وحقيقة الحسرة في اللغة أن يلحق الإنسان من الندم ما يصير به حسيرا . وزعم الفراء أن الاختيار النصب ، وأنه لو رفعت النكرة الموصولة بالصلة كان صوابا . واستشهد بأشياء منها أنه سمع من العرب : يا مهتم بأمرنا لا تهتم ، وأنشد :

يا دار غَيَّرَهَا البِلَى تَغْييرا{[13207]}

قال النحاس : وفي هذا إبطال باب النداء أو أكثره ؛ لأنه يرفع النكرة المحضة ، ويرفع ما هو بمنزلة المضاف في طول ، ويحذف التنوين متوسطا ، ويرفع ما هو في المعنى مفعول بغير علة أوجبت ذلك . فأما ما حكاه عن العرب فلا يشبه ما أجازه ؛ لأن تقدير يا مهتم بأمرنا لا تهتم على التقديم والتأخير ، والمعنى : يا أيها المهتم لا تهتم بأمرنا . وتقدير البيت : يا أيتها الدار ، ثم حول المخاطبة ، أي يا هؤلاء غير هذه الدار البلى ، كما قال الله جل وعز : " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم " [ يونس : 22 ] . ف " حسرة " منصوب على النداء ؛ كما تقول يا رجلا أقبل ، ومعنى النداء : هذا موضع حضور الحسرة . الطبري : المعنى يا حسرة من العباد على أنفسهم وتندما وتلهفا في استهزائهم برسل الله عليهم السلام . ابن عباس : " يا حسرة على العباد " أي :يا ويلا على العباد . وعنه أيضا : حل هؤلاء محل من يتحسر عليهم . وروى الربيع عن أنس عن أبي العالية أن العباد ها هنا الرسل ، وذلك أن الكفار لما رأوا العذاب قالوا : " يا حسرة على العباد " فتحسروا على قتلهم ، وترك الإيمان بهم ، فتمنوا الإيمان حين لم ينفعهم الإيمان ؛ وقاله مجاهد . وقال الضحاك : إنها حسرة الملائكة على الكفار حين كذبوا الرسل . وقيل : " يا حسرة على العباد " من قول الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ، لما وثب القوم لقتله . وقيل : إن الرسل الثلاثة هم الذين قالوا لما قتل القوم ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ، وحل بالقوم العذاب : يا حسرة على هؤلاء ، كأنهم تمنوا أن يكونوا قد أمنوا . وقيل : هذا من قول القوم قالوا لما قتلوا الرجل وفارقتهم الرسل ، أو قتلوا الرجل مع الرسل الثلاثة ، على اختلاف الروايات : يا حسرة على هؤلاء الرسل ، وعلى هذا الرجل ، ليتنا آمنا بهم في الوقت الذي ينفع الإيمان . وتم الكلام على هذا ، ثم ابتدأ فقال : " ما يأتيهم من رسول " . وقرأ ابن هرمز ومسلم بن جندب وعكرمة : " يا حسرة على العباد " بسكون الهاء للحرص على البيان وتقرير المعنى في النفس ؛ إذ كان موضع وعظ وتنبيه ، والعرب تفعل ذلك في مثله ، وإن لم يكن موضعا للوقف . ومن ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقطع قراءته حرفا حرفا ؛ حرصا على البيان والإفهام . ويجوز أن يكون " على العباد " متعلقا بالحسرة . ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف لا بالحسرة ، فكأنه قدر الوقف على الحسرة فأسكن الهاء ، ثم قال : " على العباد " أي أتحسر على العباد . وعن ابن عباس والضحاك وغيرهما : " يا حسرة العباد " مضاف بحذف " على " . وهو خلاف المصحف . وجاز أن يكون من باب الإضافة إلى الفاعل فيكون العباد فاعلين ، كأنهم إذا شاهدوا العذاب تحسروا فهو كقولك يا قيام زيد . ويجوز أن تكون من باب الإضافة إلى المفعول ، فيكون العباد مفعولين ، فكأن العباد يتحسر عليهم من يشفق لهم . وقراءة من قرأ : " يا حسرة على العباد " مقوية لهذا المعنى .


[13207]:البيت للأحوص، وتمامه: *وسفت عليها الريح بعدك مورا*
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَٰحَسۡرَةً عَلَى ٱلۡعِبَادِۚ مَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (30)

ولما أخبر عنهم سبحانه بما هو الحق من أمرهم ، ورغبهم بما ضرب لهم من المثل ، ورهبهم ولم ينفعهم ذلك ، أنتج التأسيف عليهم وعلى الممثل بهم ومن شابههم فقال تعالى : { يا حسرة } أي : هذا الحال مستحق لملازمة حسرة عظيمة { على العباد } ، فكأنه قيل لها : تعالى فهذا من أحوالك التي حقك أن تحضري فيها ، فإن هؤلاء أحقاء بأن يتحسر عليهم ، والحسرة : شدة الندم على ما فات ، فأحرق فقده وأعيى أمره ، فلا حيلة في رده ، ويجوز أن يكون المعنى أن العباد - لكثرة ما يعكسون من أعمالهم - لا تفارقهم أسباب الحسرة ولا حاضر معهم غيرها ، فلا نديم لهم إلا هي ، ولا مستعلي عليهم وغالب لهم سواها .

ولما كان كأنه قيل : أيّ حال ؟ قال مبيناً له ومعللاً للتحسر بذكر سببه : { ما يأتيهم } وأعرق في النفي والتعميم بقوله : { من رسول } أي :رسول كان في أيّ وقت كان { إلا كانوا به } أي :بذلك الرسول { يستهزءون * } أي :يوجدون الهزء ، والرسل أبعد الخلق من الهزء حالاً ومقالاً وفعالاً ، ومن الواضح أن المستهزئ بمن هذا حاله هالك فهو جدير بملازمة الحسرة وأن يتحسر عليه .