تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

{ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا } أى : كيف ينهى عن اتخاذ الشركاء والأنداد ، ويأمر بإخلاص العبادة للّه وحده . { إِنَّ هَذَا } الذي جاء به { لَشَيْءٌ عُجَابٌ } أي : يقضي منه العجب لبطلانه وفساده .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

قوله تعالى : " أجعل الآلهة إلها واحدا " مفعولان أي صير الآلهة إلها واحدا . " إن هذا لشيء عجاب " أي عجيب . وقرأ السلمي : " عجاب " بالتشديد . والعجاب والعجّاب والعجب سواء . وقد فرق الخليل بين عجيب وعجاب فقال : العجيب العجب ، والعجاب الذي قد تجاوز حد العجب ، والطويل الذي فيه طول ، والطوال ، الذي قد تجاوز حد الطول . وقال الجوهري : العجيب الأمر الذي يتعجب منه ، وكذلك العجاب بالضم ، والعجاب بالتشديد أكثر منه ، وكذلك الأعجوبة . وقال مقاتل : " عجاب " لغة أزد شنوءة . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : مرض أبو طالب فجاءت قريش إليه ، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وعند رأس أبي طالب مجلس رجل ، فقام أبو جهل كي يمنعه ، قال : وشكوه إلى أبي طالب ، فقال : يا ابن أخي ما تريد من قومك ؟ فقال : ( يا عم إنما أريد منهم كلمة تذل لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها الجزية العجم ) فقال : وما هي ؟ قال : ( لا إله إلا الله ) قال : فقالوا " أجعل الآلهة إلها واحدا " قال : فنزل فيهم القرآن : " ص والقرآن ذي الذكر . بل الذين كفروا في عزة وشقاق " حتى بلغ " إن هذا إلا اختلاق " خرجه الترمذي أيضا بمعناه . وقال : هذا حديث حسن صحيح . وقيل : لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه شق على قريش إسلامه فاجتمعوا إلى أبي طالب وقالوا : اقض بيننا وبين ابن أخيك . فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : بابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السواء ، فلا تمل كل الميل على قومك . قال : ( وماذا يسألونني ) قالوا : ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أتعطونني كلمة واحدة وتملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم ) فقال أبو جهل : لله أبوك لنعطينكها وعشر أمثالها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( قولوا لا إله إلا الله ) فنفروا من ذلك وقاموا ، فقالوا : " أجعل الآلهة إلها واحدا " فكيف يسع الخلق كلهم إله واحد . فأنزل الله فيهم هذه الآيات إلى قوله : " كذبت قبلهم قوم نوح " [ ص :12 ]

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

ولما ذكر قولهم الناشىء عن عجبهم ، ذكر سببه ليعلم أن حالهم هو الذي يعجب منه لا حال من أنذرهم بقوله حاكياً قولهم إنكاراً لمضمون ما دخل عليه : { أجعل } أي صير بسبب ما يزعم أنه يوحى إليه { الآلهة } أي التي نعبدها { إلهاً واحداً } ولما كان الكلام في الإلهية التي هي أعظم أصول الدين ، وكان هو صلى الله عليه وسلم وكل من تبعه بل وكل منصف ينكرون أن يكون هذا عجباً ، بل العجب كل العجب ممن يقبل عقله أن يكون الإله أكثر من واحد ، أكدوا قولهم لذلك وإعلاماً لضعفائهم تثبيتاً لهم بأنهم على غاية الثقة والاعتقاد لما يقولون ، لم يزلزلهم ما رأوا من منذرهم من الأحوال الغريبة الدالة ولا بد على صدقه ، فسموها سحراً لعجزهم عنها : { إن هذا } أي القول بالوحدانية { لشيء عجاب * } أي في غاية العجب - بما دلت عليه الضمة والصيغة ، ولذلك قرئ شاذاً بتشديد الجيم ، وهي أبلغ قال الاستاذ أبو القاسم القشيري : فلا هم عرفوا الإله ولا معنى الإلهية ، فإن الإلهية هي القدرة على الاختراع ، وتقدير القادرين على الاختراع غير صحيح لما يجب من وجود التمانع بينهما وجوازه ، وذلك يمنع من كمالهما ، ولو لم يكونا كاملي الوصف لم يكونا إلهين ، وكل أمر جر ثبوته سقوطه فهو باطل مطرح - انتهى . وستأتي الإشارة إلى الرد عليهم بقوله : { العزيز الوهاب } ثم بقوله : { وما من إله إلا الله الواحد القهار } .