تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ} (6)

{ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ } : المقبول قولهم ، محرضين قومهم على التمسك بما هم عليه من الشرك . { أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ } أى : استمروا عليها ، وجاهدوا نفوسكم في الصبر عليها وعلى عبادتها ، ولا يردكم عنها راد ، ولا يصدنكم عن عبادتها ، صاد . { إِنَّ هَذَا } الذي جاء به محمد ، من النهي عن عبادتها { لَشَيْءٌ يُرَادُ } أي : يقصد ، أي : له قصد ونية غير صالحة في ذلك ، وهذه شبهة لا تروج إلا على السفهاء ، فإن من دعا إلى قول حق أو غير حق ، لا يرد قوله بالقدح في نيته ، فنيته وعمله له ، وإنما يرد بمقابلته بما يبطله ويفسده ، من الحجج والبراهين ، وهم قصدهم ، أن محمدا ، ما دعاكم إلى ما دعاكم ، إلا ليرأس فيكم ، ويكون معظما عندكم ، متبوعا .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ} (6)

قوله تعالى : ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا ) : " الملأ " الأشراف ، والانطلاق الذهاب بسرعة ، أي انطلق هؤلاء الكافرون من عند الرسول عليه السلام يقول بعضهم لبعض : " أن امشوا " أي امضوا على ما كنتم عليه ولا تدخلوا في دينه . " واصبروا على آلهتكم " وقيل : هو إشارة إلى مشيهم إلى أبي طالب في مرضه كما سبق . وفي رواية محمد بن إسحاق أنهم أبو جهل بن هشام ، وشيبة وعتبة أبناء ربيعة بن عبد شمس ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، وأبو معيط ، وجاؤوا إلى أبي طالب فقالوا : أنت سيدنا وأنصفنا في أنفسنا ، فاكفنا أمر ابن أخيك وسفهاء معه ، فقد تركوا ألهتنا وطعنوا في ديننا ، فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : إن قومك يدعونك إلى السواء والنصفة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما أدعوهم إلى كلمة واحدة ) فقال أبو جهل وعشرا . قال : ( تقولون لا إله إلا الله ) فقاموا وقالوا : " أجعل الآلهة إلها واحد " الآيات . " أن امشوا " " أن " في موضع نصب والمعنى بأن امشوا . وقيل : " أن " بمعنى أي ؛ أي " وانطلق الملأ منهم " أي أمشوا ؛ وهذا تفسير انطلاقهم لا أنهم تكلموا بهذا اللفظ . وقيل : المعنى انطلق الأشراف منهم فقالوا للعوام : " امشوا واصبروا على آلهتكم " أي على عبادة آلهتكم . " إن هذا " أي هذا الذي جاء به محمد عليه السلام " لشيء يراد " أي يراد بأهل الأرض من زوال نعم قوم وغِيَر تنزل بهم . وقيل : " إن هذا لشيء يراد " كلمة تحذير ، أي إنما يريد محمد بما يقول الانقياد له ليعلو علينا ، ونكون له أتباعا فيتحكم فينا بما يريد ، فاحذروا أن تطيعوه . وقال مقاتل : إن عمر لما أسلم وقوي به الإسلام شق ذلك على قريش فقالوا : إن إسلام عمر في قوة الإسلام لشيء يراد .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ} (6)

ولما كان العجب فكيف بالعجاب جديراً بأن يلزم صاحبه ليزداد الناظر عجباً ، بين أنهم فعلوا خلاف ذلك تصديقاً لمن نسبهم إليه من الشقاق فقال : { وانطلق } ولما كان ما فعلوه لا يفعله عاقل ، فربما ظن السامع أن المنطلق منهم أسقاط من الناس من غيرهم قال : { الملأ } أي الأشراف ، وقال : { منهم } أي لا من غيرهم فكيف بالأسقاط منهم وكيف بغيرهم ، ثم حقق الانطلاق مضمناً له القول لأنه من لوازمه بقوله : { أن امشوا } أي قائلاً كل منهم لذلك آمراً لنفسه ولصاحبه بالجد في المفارقة حالاً ومقالاً ، وإذا وقف على " أن " ابتدئ بكسر الهمزة لأن أصله : امشيوا فالثالث مكسور كما أنه لو قيل لأمرأة : اغزي يبتدأ بالضم لأن الأصل : اغزوي كاخرجي { واصبروا على آلهتكم } أي لزوم عبادتها وعدم الالتفات إلى ما سواها ، قال القشيري : وإذا تواصى الكفار فيما بينهم بالصبر على آلهتهم فالمؤمنون أولى بالصبر على عبادة معبودهم والاستقامة في دينهم .

ولما كان كل منهم قد أخذ ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم قلبه وسلب لبه ، على ما أشار إليه " ذي الذكر بل " فهو خائف من صاحبه أن يكون قد استحال عن اعتقاد التعدد بما يعرف من تزحزحه في نفسه ، أكدوا قولهم : { إن هذا } أي الصبر على عبادة الآلهة { لشيء يراد } أي هو أهل للإرادة فهو أهل لئلا ينفك عنه ، أو الذي يدعو إليه شيء يريده هو ولا نعلم نحن ما هو على ما نحن عليه من الحذق ، فهو شيء لا يعلم في نفسه .