تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَأۡتِينَا ٱلسَّاعَةُۖ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأۡتِيَنَّكُمۡ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِۖ لَا يَعۡزُبُ عَنۡهُ مِثۡقَالُ ذَرَّةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَآ أَصۡغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرُ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ} (3)

{ 3 - 5 } { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ }

لما بين تعالى ، عظمته ، بما وصف به نفسه ، وكان هذا موجبا لتعظيمه وتقديسه ، والإيمان به ، ذكر أن من أصناف الناس ، طائفة لم تقدر ربها حق قدره ، ولم تعظمه حق عظمته ، بل كفروا به ، وأنكروا قدرته على إعادة الأموات ، وقيام الساعة ، وعارضوا بذلك رسله فقال : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي باللّه وبرسله ، وبما جاءوا به ، فقالوا بسبب كفرهم : { لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ } أي : ما هي ، إلا هذه الحياة الدنيا ، نموت ونحيا . فأمر اللّه رسوله أن يرد قولهم ويبطله ، ويقسم على البعث ، وأنه سيأتيهم ، واستدل على ذلك بدليل من أقرَّ به ، لزمه أن يصدق بالبعث ضرورة ، وهو علمه تعالى الواسع العام فقال : { عَالِمِ الْغَيْبِ } أي : الأمور الغائبة عن أبصارنا ، وعن علمنا ، فكيف بالشهادة ؟ " .

ثم أكد علمه فقال : { لَا يَعْزُبُ } أي : لا يغيب عن علمه { مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ } أي : جميع الأشياء بذواتها وأجزائها ، حتى أصغر ما يكون من الأجزاء ، وهو المثاقيل منها .

{ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } أي : قد أحاط به علمه ، وجرى به قلمه ، وتضمنه الكتاب المبين ، الذي هو اللوح المحفوظ ، فالذي لا يخفى عن علمه مثقال الذرة فما دونه ، في جميع الأوقات ، ويعلم{[732]}  ما تنقص الأرض من الأموات ، وما يبقى من أجسادهم ، قادر على بعثهم من باب أولى ، وليس بعثهم بأعجب من هذا العلم المحيط .


[732]:- كذا في ب، وفي أ: وعلم.
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَأۡتِينَا ٱلسَّاعَةُۖ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأۡتِيَنَّكُمۡ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِۖ لَا يَعۡزُبُ عَنۡهُ مِثۡقَالُ ذَرَّةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَآ أَصۡغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرُ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ} (3)

قوله تعالى : " وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة " قيل : المراد أهل مكة . قال مقاتل : قال أبو سفيان لكفار مكة : واللات والعزى لا تأتينا الساعة أبدا ولا نبعث . " قل بلى وربي لتأتينكم " " قل " يا محمد " بلى وربي لتأتينكم " وروى هارون عن طلق المعلم قال : سمعت أشياخنا يقرؤون " قل بلى وربي ليأتينكم " بياء ، حملوه على المعنى ، كأنه قال : ليأتينكم البعث أو أمره . كما قال : " هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك " {[12952]} [ الأنعام : 158 ] . فهؤلاء الكفار مقرون بالابتداء منكرون الإعادة ، وهو نقض لما اعترفوا بالقدرة على البعث ، وقالوا : وإن قدر لا يفعل . فهذا تحكم بعد أن أخبر على ألسنة الرسل أنه يبعث الخلق ، وإذا ورد الخبر بشيء وهو ممكن في الفعل مقدور ، فتكذيب من وجب صدقه محال . " عالم الغيب " بالرفع قراءة نافع وابن كثير على الابتداء ، وخبره وقرأ عاصم وأبو عمرو " عالم " بالخفض ، أي الحمد لله عالم ، فعلى هذه القراءة لا يحسن الوقف على قوله : " لتأتينكم " . وقرأ حمزة والكسائي : " علام الغيب " على المبالغة والنعت . " لا يعزب عنه " أي لا يغيب عنه ، " ويعزب " أيضا . قال الفراء : والكسر أحب إلى . النحاس وهي قراءة يحيى بن وثاب ، وهي لغة معروفة . يقال عزَب يعزِب ويعزُب إذا بعد وغاب . " مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض " أي قدر نملة صغيرة . " ولا أصغر من ذلك ولا أكبر " وفي قراءة الأعمش " ولا أصغرَ من ذلك ولا أكبرَ " بالفتح فيهما عطفا على " ذرة " . وقراءة العامة بالرفع عطفا على " مثقال " . " إلا في كتاب مبين " فهو العالم بما خلق ولا يخفى عليه شيء .


[12952]:راجع ج 10 ص 102.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَأۡتِينَا ٱلسَّاعَةُۖ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأۡتِيَنَّكُمۡ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِۖ لَا يَعۡزُبُ عَنۡهُ مِثۡقَالُ ذَرَّةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَآ أَصۡغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرُ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ} (3)

{ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة } روي : أن قائل هذه المقالة هو أبو سفيان بن حرب .

{ لا يعزب } أي : لا يغيب ، ولا يخفى .

{ ولا أصغر } معطوف على مثقال ؛ وقال الزمخشري : هو مبتدأ ، لأن حرف الاستثناء من حروف العطف ، ولا خلاف بين القراء السبعة في رفع أصغر وأكبر في هذا الموضع ، وقد حكى ابن عطية الخلاف فيه عن بعض القراء السبعة ، وإنما الخلاف في يونس .

{ في كتاب مبين } : يعني اللوح المحفوظ .