فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَأۡتِينَا ٱلسَّاعَةُۖ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأۡتِيَنَّكُمۡ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِۖ لَا يَعۡزُبُ عَنۡهُ مِثۡقَالُ ذَرَّةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَآ أَصۡغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرُ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ} (3)

{ الساعة } القيامة وأحوالها ، ومنازلها وأهوالها .

{ لا يعزب } لا يبعد ، ولا يغيب .

{ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين3 }

ينكر الكافرون الإحياء بعد الإماتة ، والبعث بعد البلى : ( بل قالوا مثل ما قال الأولون . قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون . لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين( {[3707]} [ أرادوا بضمير المتكلم –[ نا ] من { تأتينا }- جنس البشر قاطبة لا أنفسهم أو معاصريهم فقط ، وبنفي إتيانها نفى وجودها بالكلية لا عدم حضورها مع تحققها في نفس الأمر ، وإنما عبروا عنه بذلك لأنهم كانوا يوعدون بإتيانها . . . وقيل : هو استبطاء لإتيانها الموعود بطريق الهزء والسخرية كقولهم : ) . . متى هذا الوعد( {[3708]} . ]{[3709]} .

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برد كلامهم وإبطاله ، وأن يحلف على الحق الذي لا ريب فيه )وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور( {[3710]} .

يقول ابن كثير- رحمه الله- : هذه إحدى الآيات الثلاث التي لا رابع لهن مما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه العظيم على وقوع المعاد ، لما أنكره من أنكره من أهل الكفر والعناد ، فإحداهن في سورة يونس عليه السلام ، وهي قوله تعالى : )ويستنبؤونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين ){[3711]}والثانية هذه : )وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم . . } والثالثة في سورة التغابن وهي قوله تعالى : )زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير( {[3712]} . اه .

ولما كان من المنكرين للبعث من يستبعد جمع ما تفرق من الأجساد ، وما تمزق من الجلود ، ساق القرآن لهم حجة على اقتدار العليم أن يعيد ما تناثر من هذه الأجساد ، وأن يرد عليها أرواحها يوم التناد )قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ( {[3713]} . فهو سبحانه يعلم كل مشاهد وغائب ، لا يبعد عن علمه المحيط شيء في الأرض ولا في السماء مهما دق أو عظم ، وإن كان مثقال حبة من خردل ، وإن كان ذرة أو فوق ذلك أو دون ذلك ، بل وكل شيء من هذا مدون مسطور في كتاب ظاهر مظهر .

[ وفي قوله : { لايعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض )إشارة إلى أن الإنسان جسم أرضي وروح سماوي ، فالعالم بما في العالمين القادر على تأليفهما قادر على إعادتهما على ما كانا عليه ، وإنما ذكر الأكبر- يشير إلى قول الله تبارك وتعالى : { ولا أصغر من ذلك ولا أكبر }- مع أن الأصغر هو اللائق بالمبالغة لئلا يتوهم متوهم أن الصغار تثبت لكونها تنسى ، أما الأكبر فلا ينسى ، فلا حاجة إلى إثباته ، بل المراد أن الصغير والكبير مثبت في الكتاب ]{[3714]} .


[3707]:سورة المؤمنون. الآيات. 81، 82، 83.
[3708]:سورة الملك. من الآية 25.
[3709]:ما بين العلامتين[ ] مقتبس من روح المعاني، بتصرف.
[3710]:سورة الحج. الآية 7.
[3711]:الآية 53.
[3712]:الآية 7.
[3713]:سورة(ق(. الآية 4.
[3714]:مقتبس من غرائب القرآن، بتصرف.