{ وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة } أرادوا بضمير المُتكلِّمِ جنسَ البشر قاطبةً لا أنفسَهم أو معاصريهم فقط كما أرادُوا بنفيِ إتيانها نفيَ وجودِها بالكُلِّيةِ لا عدمَ حضورِها مع تحقُّقها في نفس الأمر وإنما عبَّروا عنه بذلك لأنَّهم كانوا يُوعدون بإتيانها ولأنَّ وجود الأمور الزَّمانيةِ المُستقبلةِ لاسيَّما أجزاءُ الزَّمانِ لا يكون إلا بالإتيانِ والحضورِ ، وقيل : هو استبطاءٌ لإتيانها الموعودِ بطريق الهُزءِ والسُّخريةِ كقولهم : متى هذا الوعدُ { قُلْ بلى } ردٌّ لكلامِهم وإثباتٌ لِما نفَوه على معنى ليسَ الأمرُ إلاَّ إتيانَها . وقولُه تعالى : { وَرَبّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } تأكيدٌ له على أتمِّ الوجوهِ وأكملِها . وقرئ ليأتينَّكم على تأويل السَّاعةِ باليومِ أو الوقتِ وقوله تعالى : { عالم الغيب } الخ ، إمداد للتَّأكيدِ وتسديدٌ له إثرَ تسديدٍ وكسر لسَورةِ نكيرِهم واستبعادهم فإنَّ تعقيب القسم بجلائل نُعوت المُقسَمِ بهِ على الإطلاق يُؤذنُ بفخامة شأنِ المُقْسَمِ عليه وقوَّةِ ثباته وصحَّتِه لما أنَّ ذلك في حكمِ الاستشهادِ على الأمرِ ولا ريب في أن المستشهدَ به كلَّما كان أجلَّ وأعلى كانتِ الشَّهادةُ آكدَ وأقوى والمستشهدُ عليه أحقَّ بالثُّبوتِ وأولى لاسيَّما إذا خُصَّ بالذِّكرِ من النُّعوتِ ما له تعلُّقٌ خاصٌّ بالمُقسَمِ عليه كما نحنُ فيهِ فإنَّ وصفَه بعلم الغيب الذي أشهرُ أفرادِه وأدخلُها في الخفاء هو المقسمُ عليهِ تنبيه لهم على علَّةِ الحكم وكونه ممَّا لا يحومُ حوله شائبةُ ريبٍ ما ، وفائدة الأمر بهذه المرتبة من اليمين أنْ لا يبقى للمعاندينَ عذرٌ ما أصلاً فإنَّهم كانوا يعرفون أمانتَه ونزاهتَه عن وصمةِ الكذب فضلاً عن اليمين الفاجرةِ وإنَّما لم يُصدِّقُوه مكابرةً . وقرئ علاَّمُ الغيبِ وعالمُ الغيبِ وعالمُ الغُيوبِ بالرَّفعِ على المدحِ { لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ } أي لا يبعدُ . وقرئ بكسرِ الزَّايِ { مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } مقدارُ أصغرِ نملةٍ { فِي السموات وَلاَ فِي الأرض } أي كائنةٌ فيهما { وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك } أي من مثقالِ ذرَّةٍ { وَلا أَكْبَرَ } أي منه . ورفعُهما على الابتداءِ والخبرُ قوله تعالى : { إِلاَّ فِي كتاب مُّبِينٍ } هو اللَّوحُ المحفوظُ . والجملةُ مؤكِّدةٌ لنفيِ العُزوبِ . وقرئ ولا أصغرَ ولا أكبرَ بفتحِ الرَّاءِ على نفيِ الجنسِ ولا يجوزُ أن يُعطفَ المرفوعُ على مثقالُ ولا المفتوحُ على ذَرَّةٍ بأنَّه فتح في خبر الجرِّ لامتناع الصَّرفِ لما أنَّ الاستثناءَ يمنعه إلا أنْ يُجعلَ الضَّميرُ في عنه للغيب ويُجعلَ المثبتُ في اللَّوحِ خارجاً عنه لبروزه للمطالعينَ له فيكون المعنى لا ينفصلُ عن الغيب شيءٌ إلى مسطوراً في اللَّوحِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.