تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلۡيَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (47)

{ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ْ } أي : يلزمهم التقيد بكتابهم ، ولا يجوز لهم العدول عنه . { وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ْ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلۡيَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (47)

41

وقد جعل الله في الإنجيل هدى ونورا وموعظة للمتقين ، وجعله منهج حياة وشريعة حكم لأهل الإنجيل . .

أي إنه خاص بهم ، فليس رسالة عامة للبشر - شأنه في هذا شأن التوراة وشأن كل كتاب وكل رسالة وكل رسول ، قبل هذا الدين الأخير - ولكن ما طابق من شريعته - التي هي شريعة التوراة - حكم القرآن فهو من شريعة القرآن . كما مر بنا في شريعة القصاص .

وأهل الإنجيل كانوا إذن مطالبين أن يتحاكموا إلى الشريعة التي أقرها وصدقها الإنجيل من شريعة التوراة : ( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ) .

فالقاعدة هي الحكم بما أنزل الله دون سواه . وهم واليهود كذلك لن يكونوا على شيء حتى يقيموا التوراة والإنجيل - قبل الإسلام - وما أنزل إليهم من ربهم - بعد الإسلام - فكله شريعة واحدة ، هم ملزمون بها ، وشريعة الله الأخيرة هي الشريعة المعتمدة :

( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) . .

والنص هنا كذلك على عمومه وإطلاقه . . وصفة الفسق تضاف إلى صفتي الكفر والظلم من قبل . وليست تعني قوما جددا ولا حالة جديدة منفصلة عن الحالة الأولى . إنما هي صفة زائدة على الصفتين قبلها ، لاصقة بمن لم يحكم بما أنزل الله من أي جيل ، ومن أي قبيل .

الكفر برفض ألوهية الله ممثلا هذا في رفض شريعته . والظلم بحمل الناس على غير شريعة الله وإشاعة الفساد في حياتهم . والفسق بالخروج عن منهج الله واتباع غير طريقه . . فهي صفات يتضمنها الفعل الأول ، وتنطبق جميعها على الفاعل . ويبوء بها جميعا دون تفريق .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلۡيَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِۚ وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (47)

جملة { وليحكم } معطوفة على { آتيناه } . وقرأ الجمهور { ولْيحكم } بسكون اللاّم وبجزم الفعل على أنّ اللام لام الأمر . ولا شكّ أنّ هذا الأمر سابق على مجيء الإسلام ، فهو ممّا أمر الله به الّذين أرسل إليهم عيسى من اليهود والنّصارى ، فعلم أنّ في الجملة قولاً مقدّراً هو المعطوف على جملة { وآتيناه الإنجيل } ، أي وآتيناه الإنجيل الموصوف بتلك الصّفات العظيمة ، وقلنا : ليحكم أهل الإنجيل ، فيتمّ التّمهيد لقوله بعده { ومن لم يحكم بما أنزل الله } ، فقرائن تقدير القول مُتظافِرة من أمور عدّة .

وقرأ حمزة بكسر لام { ليحكم } ونصب الميم على أنّ اللام لام كي للتّعليل ، فجملة { ليحكم } على هذه القراءة معطوفة على قوله { فيه هدى } الخ ، الّذي هو حال ، عُطفتتِ العلّة على الحال عطفاً ذِكرياً لا يشرِّك في الحكم لأنّ التّصريح بلام التّعليل قرينة على عدم استقامة تشريك الحكم بالعطف فيكون عطفه كعطف الجمل المختلفة المعنى . وصاحب « الكشاف » قدّر في هذه القراءة فعلاً مَحذوفاً بعد الواو ، أي وآتيناه الإنجيل ، دلّ عليه قوله قبله { وآتيناه الإنجيل } ، وهو تقدير معنى وليس تقدير نظم الكلام .

والمراد بالفاسقين الكافرون ، إذ الفسق يطلق على الكفر ، فتكون على نحو ما في الآية الأولى . ويحتمل أنّ المراد به الخروج عن أحكام شرعهم سواء كانوا كافرين به أم كانوا معتقدين ولكنّهم يخالفونه فيكون ذمّاً للنصارى في التّهاون بأحكام كتابهم أضعفَ من ذمّ اليهود .