{ 25 } { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ }
أي : وقضينا لهؤلاء الظالمين الجاحدين للحق { قُرَنَاءَ } من الشياطين ، كما قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا } أي تزعجهم إلى المعاصي وتحثهم عليها ، بسبب ما زينوا { لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } فالدنيا زخرفوها بأعينهم ، ودعوهم إلى لذاتها وشهواتها المحرمة حتى افتتنوا ، فأقدموا على معاصي اللّه ، وسلكوا ما شاءوا من محاربة اللّه ورسله والآخرة بَعّدُوها عليهم وأنسوهم ذكرها ، وربما أوقعوا عليهم الشُّبه ، بعدم وقوعها ، فترحَّل خوفها من قلوبهم ، فقادوهم إلى الكفر ، والبدع ، والمعاصي .
وهذا التسليط والتقييض من اللّه للمكذبين الشياطين ، بسبب إعراضهم عن ذكر اللّه وآياته ، وجحودهم الحق كما قال تعالى : { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ }
{ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ } أي : وجب عليهم ، ونزل القضاء والقدر بعذابهم { فِي } جملة { أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ } لأديانهم وآخرتهم ، ومن خسر ، فلا بد أن يذل ويشقى ويعذب .
ثم يكشف لهم كذلك عن سلطان الله في قلوبهم ، وهم بعد في الأرض ، يستكبرون عن الإيمان بالله . فالله قد قيض لهم - بما اطلع على فساد قلوبهم - قرناء سوء من الجن ومن الأنس ، يزينون لهم السوء ، وينتهون بهم إلى مواكب الذين كتب عليهم الخسران ، وحقت عليهم كلمة العذاب :
( وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ، وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس ، إنهم كانوا خاسرين ) . .
فلينظروا كيف هم في قبضة الله الذي يستكبرون عن عبادته . وكيف أن قلوبهم التي بين جنوبهم تقودهم إلى العذاب والخسارة وقد قيض الله وأحضر قرناء يوسوسون لهم ، ويزينون لهم كل ما حولهم من السوء ، ويحسنون لهم أعمالهم فلا يشعرون بما فيها من قبح . وأشد ما يصيب الإنسان أن يفقد إحساسه بقبح فعله وانحرافه ، وأن يرى كل شيء من شخصه حسنا ومن فعله ! فهذه هي المهلكة وهذا هو المنحدر الذي ينتهي دائماً بالبوار .
وإذا هم في قطيع السوء . في الأمم التي حق عليها وعد الله من قبلهم من الجن والإنس . قطيع الخاسرين ( إنهم كانوا خاسرين ) .
ثم وصف عز وجل حالهم في الدنيا وما أصابهم به حين أعرضوا ، فختم عليهم فقال : { وقيضنا لهم قرناء } أي يسرنا لهم { قرناء } سوء من الشياطين وغواة الإنس .
وقوله : { فزينوا لهم ما بين أيديهم } أي علموهم وقرروا في نفوسهم معتقدات سوء في الأمور التي تقدمتهم من أمر الرسل والنبوات ، ومدح عبادة الأصنام واتباع فعل الآباء إلى غير ذلك مما يقال إنه بين أيديهم ، وذلك كل ما تقدمهم في الزمان واتصل إليهم أثره أو خبره ، وكذلك أعطوهم معتقدات سوء فيما خلفهم وهو كل ما يأتي بعدهم من القيامة والبعث ونحو ذلك مما يقال فيه إنه خلف الإنسان ، فزينوا لهم في هذين كل ما يرديهم ويفضي بهم إلى عذاب جهنم .
وقوله : { وحق عليهم القول } أي سبق القضاء الحتم ، وأمر الله بتعذيبهم في جملة أمم معذبين كفار { من الجن والإنس } وقالت فرقة : { في } بمعنى : مع ، أي مع أمم ، والمعنى يتأدى بالحرفين ، ولا نحتاج أن نجعل حرفاً بمعنى حرف إذ قد أبى ذلك رؤساء البصريين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.