وهذا الجزاء من جنس عملهم ، فإنهم كانوا يدعون في الدنيا إلى السجود لله وتوحيده وعبادته وهم سالمون ، لا علة فيهم ، فيستكبرون عن ذلك ويأبون ، فلا تسأل يومئذ عن حالهم وسوء مآلهم ، فإن الله قد سخط عليهم ، وحقت عليهم كلمة العذاب ، وتقطعت أسبابهم ، ولم تنفعهم الندامة ولا الاعتذار يوم القيامة ، ففي هذا ما يزعج القلوب عن المقام على المعاصي ، و[ يوجب ] التدارك مدة الإمكان . ولهذا قال تعالى{ فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ }
ثم يكمل رسم هيئتهم : ( خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ) . . هؤلاء المتكبرون المتبجحون . والأبصار الخاشعة والذلة المرهقة هما المقابلان للهامات الشامخة والكبرياء المنفوخة . وهي تذكر بالتهديد الذي جاء في أول السورة : ( سنسمه على الخرطوم ) . . فإيحاء الذلة والانكسار ظاهر عميق مقصود !
وبينما هم في هذا الموقف المرهق الذليل ، يذكرهم بما جرهم إليه من إعراض واستكبار : ( وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ) . . قادرون على السجود . فكانوا يأبون ويستكبرون . . كانوا . فهم الآن في ذلك المشهد المرهق الذليل . والدنيا وراءهم . وهم الآن يدعون إلى السجود فلا يستطيعون !
و : { خاشعة } نصب على الحال وجوارحهم كلها خاشعة ، أي ذليلة ولكنه خص الأبصار بالذكر لأن الخشوع فيها أبين منه في كل جارحة . وقوله تعالى : { ترهقهم ذلة } أي تزعج نفوسهم وتظهر عليهم ظهوراً يخزيهم ، وقوله تعالى : { وقد كانوا يدعون إلى السجود } يريد في دار الدنيا وهم سالمون مما نال عظام ظهورهم من الاتصال والعتو ، وقال بعض المتأولين : { السجود } هنا عبارة عن جميع الطاعات ، وخص { السجود } بالذكر من حيث هو عظم الطاعات ، ومن حيث به وقع امتحانهم في الآخرة ، وقال إبراهيم التيمي{[11264]} والشعبي : أراد ب { السجود } الصلوات المكتوبة ، وقال ابن جبير : المعنى كانوا يسمعون النداء للصلاة : وحي على الفلاح فلا يجيبون ، وفلج الربيع بن خيثم{[11265]} : فكان يهادي بين رجلين إلى المسجد ، فقيل له : إنك لمعذور ، فقال : من سمع حي على الفلاح ، فليجب ولو حبواً ، وقيل لابن المسيب : إن طارقاً يريد قتلك فاجلس في بيتك ، فقال : أسمع حي على الفلاح فلا أجيب ؟ والله لا فعلت . وهذا كله قريب بعضه من بعض .
وخشوع الأبصار : هيئة النظر بالعين بذلة وخَوف ، استعير له وصف { خاشعة } لأن الخاشع يكون مطأطئا مختفياً .
و { ترهقهم } : تحل بهم وتقترب منهم بحرص على التمكن منهم ، رَهِقَ من باب فَرِح قال تعالى : { تَرْهَقُها قَتَرة } [ عبس : 41 ] .
وجملة { ترهقهم ذلة } حال ثانية من ضمير { يستطيعون .
وجملة وقد كانوا يُدْعَوْن إلى السجود وهم سالمون } معترضة بين ما قبلها وما تفرع عنها ، أي كانوا في الدّنيا يُدعون إلى السجود لله وحده وهم سالمون من مثل الحالة التي هم عليها في يوم الحشر . والواو للحال وللاعتراض .
وجملة { وهم سالمون } حال من ضمير { يُدعون } أي وهم قادرون لا علة تعوقهم عنه في أجسادهم . والسلامة : انتفاء العلل والأمراض بخلاف حالهم يوم القيامة فإنهم مُلْجَأُون لعدم السجود .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.