تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ يَـٰٓأَهۡلَ يَثۡرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمۡ فَٱرۡجِعُواْۚ وَيَسۡتَـٔۡذِنُ فَرِيقٞ مِّنۡهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوۡرَةٞ وَمَا هِيَ بِعَوۡرَةٍۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارٗا} (13)

{ وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ } من المنافقين ، بعد ما جزعوا وقلَّ صبرهم ، وصاروا أيضًا من المخذولين ، فلا صبروا بأنفسهم ، ولا تركوا الناس من شرهم ، فقالت هذه الطائفة : { يَا أَهْلَ يَثْرِبَ } يريدون { يا أهل المدينة } فنادوهم باسم الوطن المنبئ [ عن التسمية ]{[693]}  فيه إشارة إلى أن الدين والأخوة الإيمانية ، ليس له في قلوبهم قدر ، وأن الذي حملهم على ذلك ، مجرد الخور الطبيعي .

{ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ } أي : في موضعكم الذي خرجتم إليه خارج المدينة ، وكانوا عسكروا دون الخندق ، وخارج المدينة ، { فَارْجِعُوا } إلى المدينة ، فهذه الطائفة تخذل عن الجهاد ، وتبين أنهم لا قوة لهم بقتال عدوهم ، ويأمرونهم بترك القتال ، فهذه الطائفة ، شر الطوائف وأضرها ، وطائفة أخرى دونهم ، أصابهم الجبن والجزع ، وأحبوا أن ينخزلوا عن الصفوف ، فجعلوا يعتذرون بالأعذار الباطلة ، وهم الذين قال اللّه فيهم : { وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ } أي : عليها الخطر ، ونخاف عليها أن يهجم عليها الأعداء ، ونحن غُيَّبٌ عنها ، فَأْذَنْ لنا نرجع إليها ، فنحرسها ، وهم كذبة في ذلك .

{ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ } أي : ما قصدهم { إِلَّا فِرَارًا } ولكن جعلوا هذا الكلام ، وسيلة وعذرًا . [ لهم ]{[694]}  فهؤلاء قل إيمانهم ، وليس له ثبوت عند اشتداد المحن .


[693]:- زيادة من: ب.
[694]:- زيادة من: ب.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ يَـٰٓأَهۡلَ يَثۡرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمۡ فَٱرۡجِعُواْۚ وَيَسۡتَـٔۡذِنُ فَرِيقٞ مِّنۡهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوۡرَةٞ وَمَا هِيَ بِعَوۡرَةٍۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارٗا} (13)

9

( وإذ قالت طائفة منهم : يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ) . .

فهم يحرضون أهل المدينة على ترك الصفوف ، والعودة إلى بيوتهم ، بحجة أن إقامتهم أمام الخندق مرابطين هكذا ، لا موضع لها ولا محل ، وبيوتهم معرضة للخطر من ورائهم . . وهي دعوة خبيثة تأتي النفوس من الثغرة الضعيفة فيها ، ثغرة الخوف على النساء والذراري . والخطر محدق والهول جامح ، والظنون لا تثبت ولا تستقر !

( ويستأذن فريق منهم النبي ، يقولون : إن بيوتنا عورة ) . .

يستأذنون بحجة أن بيوتهم مكشوفة للعدو . متروكة بلا حماية .

وهنا يكشف القرآن عن الحقيقة ، ويجردهم من العذر والحجة :

( وما هي بعورة ) . .

ويضبطهم متلبسين بالكذب والاحتيال والجبن والفرار :

( إن يريدون إلا فرارا ) . .

وقد روي أن بني حارثة بعثت بأوس بن قيظي إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقولون : ( إن بيوتنا عورة ) ، وليس دار من دور الأنصار مثل دورنا . ليس بيننا وبين غطفان أحد يردهم عنا ، فأذن لنا فلنرجعإلى دورنا ، فنمنع ذرارينا ونساءنا . فأذن لهم [ صلى الله عليه وسلم ] فبلغ سعد بن معاذ ذلك فقال : يا رسول الله لا تأذن لهم . إنا والله ما اصابنا وإياهم شدة إلا صنعوا هكذا . . فردهم . .

فهكذا كان أولئك الذين يجبههم القرآن بأنهم : ( إن يريدون إلا فرارا ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ يَـٰٓأَهۡلَ يَثۡرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمۡ فَٱرۡجِعُواْۚ وَيَسۡتَـٔۡذِنُ فَرِيقٞ مِّنۡهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوۡرَةٞ وَمَا هِيَ بِعَوۡرَةٍۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارٗا} (13)

{ وإذ قالت طائفة منهم } يعني أوس بن قيظي وأتباعه . { يا أهل يثرب } أهل المدينة ، وقيل هو اسم ارض وقعت المدينة في ناحية منها . { لا مقام } لا موضع قيام . { لكم } ها هنا ، وقرأ حفص بالضم على انه مكان أو مصدر من أقام . { فارجعوا } إلى منازلكم هاربين ، وقيل المعنى لا مقام لكم على دين محمد فارجعوا إلى الشرك وأسلموه لتسلموا ، أو لا مقام لكم بيثرب فارجعوا كفارا ليمكنكم المقام بها . { ويستأذن فريق منهم النبي } للرجوع . { يقولون أن بيوتنا عورة } غير حصينة وأصلها الخلل ، ويجوز أن يكون تخفيف العورة من عورت الدار إذا اختلت وقد قرئ بها . { وما هي بعورة } بل هي حصينة . { إن يريدون إلا فرارا } أي وما يريدون بذلك إلا الفرار من القتال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ يَـٰٓأَهۡلَ يَثۡرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمۡ فَٱرۡجِعُواْۚ وَيَسۡتَـٔۡذِنُ فَرِيقٞ مِّنۡهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوۡرَةٞ وَمَا هِيَ بِعَوۡرَةٍۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارٗا} (13)

هذه المقالة روي أن بني حارثة قالوها ، و { يثرب } قطر محدود ، المدينة في طرف منه ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وحفص عن عاصم ومحمد اليماني والأعرج «لا مُقام لكم » بضم الميم ، والمعنى لا موضع إقامة ، وقرأ الباقون «لا مَقام » بفتح الميم بمعنى لا موضع قيام ، وهي قراءة أبي جعفر وشيبة وأبي رجاء والحسن وقتادة والنخعي وعبد الله بن مسلم وطلحة ، والمعنى في حومة القتال وموضع الممانعة ، { فارجعوا } معناه إلى منازلكم وبيوتكم وكان هذا على جهة التخذيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والفريق المستأذن روي أن أوس بن قيظي استأذن في ذلك عن اتفاق من عشيرته فقال { إن بيوتنا عورة } أي : منكشفة للعدو ، وقيل أراد خالية للسراق ، ويقال أعور المنزل إذا انكشف ومنه قول الشاعر :

له الشدة الأولى إذا القرن أعورا{[9470]} . . .

قال ابن عباس «الفريق » بنو حارثة ، وهم كانوا عاهدوا الله إثر أحد لا يولون الأدبار ، وقرأ ابن عباس وابن يعمر وقتادة وأبو رجاء «عِورة » بكسر الواو فيهما وهو اسم فاعل ، قال أبو الفتح صحة الواو في هذه شاذة لأنها متحركة قبلها فتحة ، وقرأ الجمهور «عوْرة » ساكنة الواو على أنه مصدر وصف به ، و «البيت المعور » هو المنفرد المعرض لمن شاءه بسوء .


[9470]:ذكر في اللسان والتاج(عور)، قالا: وهو في وصف الأسد، واللفظ فيهما:(له الشدة الأولى)، وقال في اللسان:"والعرب تقول: اعور منزلك إذا بدت منه عورة، وأعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب". والشدة: الحملة القوية في الحرب، والقِرن: المثيل في الشجاعة كما هو المراد هنا، وقد يكون في العلم، والجمع أقران.