تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (37)

وقوله : { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا } أي : ليس المقصود منها ذبحها فقط . ولا ينال الله من لحومها ولا دمائها شيء ، لكونه الغني الحميد ، وإنما يناله الإخلاص فيها ، والاحتساب ، والنية الصالحة ، ولهذا قال : { وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ } ففي هذا حث وترغيب على الإخلاص في النحر ، وأن يكون القصد وجه الله وحده ، لا فخرا ولا رياء ، ولا سمعة ، ولا مجرد عادة ، وهكذا سائر العبادات ، إن لم يقترن بها الإخلاص وتقوى الله ، كانت كالقشور الذي لا لب فيه ، والجسد الذي لا روح فيه .

{ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ } أي : تعظموه وتجلوه ، { عَلَى مَا هَدَاكُمْ } أي : مقابلة لهدايته إياكم ، فإنه يستحق أكمل الثناء وأجل الحمد ، وأعلى التعظيم ، { وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ } بعبادة الله بأن يعبدوا الله ، كأنهم يرونه ، فإن لم يصلوا إلى هذه الدرجة فليعبدوه ، معتقدين وقت عبادتهم اطلاعه عليهم ، ورؤيته إياهم ، والمحسنين لعباد الله ، بجميع وجوه الإحسان من نفع مال ، أو علم ، أو جاه ، أو نصح ، أو أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر ، أو كلمة طيبة ونحو ذلك ، فالمحسنون لهم البشارة من الله ، بسعادة الدنيا والآخرة وسيحسن الله إليهم ، كما أحسنوا في عبادته ولعباده { هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (37)

وهم حين يؤمرون بنحرها باسم الله ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها )فإن اللحوم والدماء لا تصل إلى الله سبحانه . إنما تصل إليه تقوى القلوب وتوجهاتها - لا كما كان مشركو قريش يلطخون أوثانهم وآلهتهم بدماء الأضحيات على طريقة الشرك المنحرفة الغليظة !

( كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم ) . . فقد هداكم إلى توحيده والاتجاه إليه وإدراك حقيقة الصلة بين الرب والعباد ، وحقيقة الصلة بين العمل والاتجاه .

( وبشر المحسنين ) . . الذين يحسنون التصور ، ويحسنون الشعور ، ويحسنون العبادة ، ويحسنون الصلة بالله في كل نشاط الحياة .

وهكذا لا يخطو المسلم في حياته خطوة ، ولا يتحرك في ليله أو نهاره حركة ، إلا وهو ينظر فيها إلى الله .

ويجيش قلبه فيها بتقواه ، ويتطلع فيها إلى وجهه ورضاه . فإذا الحياة كلها عبادة تتحقق بها إرادة الله من خلق العباد ، وتصلح بها الحياة في الأرض وهي موصولة السبب بالسماء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (37)

{ لن ينال الله } لن يصيب رضاه ولني قع منه موقع القبول . { لحومها } المتصدق بها . { ولا دماؤها } المهراقة بالنحر من حيث إنها لحوم ودماء . { ولكن يناله التقوى منكم } ولكن يصيبه ما يصحبه من تقوى قلوبكم التي تدعوكم إلى تعظيم أمره تعالى والتقريب إليه والإخلاص له ، وقيل كان أهل الجاهلية إذا ذبحوا القرابين لطخوا الكعبة بدمائها قربة إلى الله تعالى فهم به المسلمون فنزلت . { كذلك سخرها لكم } كرره تذكيرا للنعمة وتعليلا له بقوله : { لتكبروا الله } أي لتعرفوا عظمته باقتداره على ما لا يقدر عليه غيره فتوحدوه بالكبرياء . وقيل هو التكبير عند الإحلال أو الذبح . { على ما هداكم } أرشدكم إلى طريق تسخيرها وكيفية التقرب بها ، و { ما } تحتمل المصدرية والخيرية و { على } متعلقة ب { لتكبروا } لتضمنه معنى الشكر . { وبشر المحسنين } المخلصين فيما يأتونه ويذرونه .