تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَيُحۡيِۦ بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (24)

أي : ومن آياته أن ينزل عليكم المطر الذي تحيا به البلاد والعباد ويريكم قبل نزوله مقدماته من الرعد والبرق الذي يُخَاف ويُطْمَع فيه .

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ } [ دالة ] على عموم إحسانه وسعة علمه وكمال إتقانه ، وعظيم حكمته وأنه يحيي الموتى كما أحيا الأرض بعد موتها .

{ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي : لهم عقول تعقل بها ما تسمعه وتراه وتحفظه ، وتستدل به عل ما جعل دليلا عليه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَيُحۡيِۦ بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (24)

17

( ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا ، وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) . .

وظاهرة البرق ظاهرة ناشئة من النظام الكوني ؛ ويعللها بعضهم بأنها تنشأ من انطلاق شرارة كهربائية بين سحابتين محملتين بالكهرباء ، أو بين سحابة وجسم أرضي كقمة جبل مثلا . ينشأ عنها تفريغ في الهواء يتمثل في الرعد الذي يعقب البرق . وفي الغالب يصاحب هذا وذلك تساقط المطر نتيجة لذلك التصادم . وأيا ما كان السبب فالبرق ظاهرة ناشئة عن نظام هذا الكون كما خلقه البارىء وقدره تقديرا .

والقرآن الكريم حسب طبيعته لا يفصل كثيرا في ماهية الظواهر الكونية وعللها ؛ إنما يتخذ منها أداة لوصل القلب البشري بالوجود وخالق الوجود . ومن ثم يقرر هنا أنها آية من آيات الله أن يريهم البرق ( خوفا وطمعا ) . . وهما الشعوران الفطريان اللذان يتعاوران النفس البشرية أمام تلك الظاهرة . شعور الخوف من الصواعق التي تحرق الناس والأشياء أحيانا عندما يبرق البرق . أو الخوف الغامض من رؤية البرق وما يوقعه في الحس من الشعور بالقوة المصرفة لهيكل هذا الكون الهائل . وشعور الطمع في الخير من وراء المطر الذي يصاحب البرق في معظم الأحوال ؛ والذي عقب بذكره في الآية بعد ذكر البرق : ( وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها ) . .

والتعبير بالحياة والموت بالقياس إلى الأرض تعبير يخيل أن الأرض كائن حي ، يحيا ويموت . وإنها لكذلك في حقيقتها التي يصورها القرآن الكريم . فهذا الكون خليقة حية متعاطفة متجاوبة ، مطيعة لربها خاضعة خاشعة ، ملبية لأمره مسبحة عابدة . والإنسان الذي يدب على هذا الكوكب الأرضي واحد من خلائق الله هذه ، يسير معها في موكب واحد متجه إلى الله رب العالمين .

ذلك كله بالإضافة إلى أن الماء حين يصيب الأرض ، يبعث فيها الخصب ، فتنبت الزرع الحي النامي ؛ وتموج صفحتها بالحياة المنبثقة في هذا النبات . ومن ثم في الحيوان والإنسان . والماء رسول الحياة فحيث كان تكون الحياة .

( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) . . فهنا للعقل مجال للتدبر والتفكير .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَيُحۡيِۦ بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (24)

{ ومن آياته يريكم البرق } مقدر بأن المصدرية كقوله :

إلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى *** وأن اشهد اللذات هل أنت مخلدي

أو الفعل فيه منزلة المصدر كقولهم : تسمع بالمعيدي خير م أن تراه ، أو صفة لمحذوف تقديره آية يريكم بها البرق كقوله :

فما الدهر إلا تارتان فمنهما *** أموت وأخرى ابتغي العيش اكدح

{ خوفا } من الصاعقة للمسافر . { وطمعا } في الغيث للمقيم . ونصبهما على العلة لفعل يلزم المذكور فإن إراءتهم تستلزم رؤيتهم أو له على تقدير مضاف نحو إرادة خوف وطمع ، أو تأويل الخوف والطمع بالإخافة والإطماع كقولك فعلته رغما للشيطان ، أو على الحال مثل كلمته شفاها . { وينزل من السماء ماء } وقرئ بالتشديد . { فيحيي به الأرض } بالنبات . { بعد موتها } يبسها . { إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون } يستعملون عقولهم في استنباط أسبابها وكيفية تكونها ليظهر لهم كمال قدرة الصانع وحكمته .