تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (22)

{ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } . أي : تدلي علي بهذه المنة لأنك سخرت بني إسرائيل ، وجعلتهم لك بمنزلة العبيد ، وأنا قد أسلمتني من تعبيدك وتسخيرك ، وجعلتها علي نعمة ، فعند التصور ، يتبين أن الحقيقة ، أنك ظلمت هذا الشعب الفاضل ، وعذبتهم وسخرتهم بأعمالك ، وأنا قد سلمني الله من أذاك ، مع وصول أذاك لقومي ، فما هذه المنة التي تبت بها وتدلي بها ؟ .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (22)

10

ثم يجيبه تهكما بتهكم . ولكن بالحق . ( وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل ) . . فما كانت تربيتي في بيتك وليدا إلا من جراء استعبادك لبني إسرائيل ، وقتلك أبناءهم ، مما اضطر أمي أن تلقيني في التابوت ، فتقذف بالتابوت في الماء ، فتلتقطونني ، فأربى في بيتك ، لا في بيت أبوي . فهل هذا هو ما تمنه علي ، وهل هذا هو فضلك العظيم ? !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (22)

ثم قال موسى : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي : وما أحسنت إلي وربَّيْتني مقابل ما أسأتَ إلى{[21702]} بني إسرائيل ، فجعلتهم عبيدا وخدما ، تصرفهم في أعمالك ومشاق رعيتك ، أفَيَفي إحسانك إلى رجل واحد منهم بما أسأتَ إلى مجموعهم ؟ أي : ليس ما ذكرتَه شيئا بالنسبة إلى ما فعلتَ بهم .


[21702]:- في ف ، أ : "على".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (22)

ثم حاجه عليه السلام في منه عليه بالتربية وترك القتل بقوله { وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل } ، واختلف الناس في تأويل هذا الكلام ، فقال قتادة هذا منه على جهة الإنكار عليه أن تكون نعمة كأنه يقول أو يصح لك أن تعتمد على نعمة ترك قتلي من أجل أنك ظلمت بني إسرائيل وقتلهم ، أي ليست نعمة لأن الواجب كان ألا يقتلني وألا تقتلهم ولا تستعبدهم بالقتل والخدمة وغير ذلك ، وقرأ الضحاك «وتلك نعمة ما لك أن تمنها » ، وهذه قراءة تؤيد هذا التأويل ، وقال الأخفش قيل ألف الاستفهام محذوفة والمعنى «أو تلك » وهذا لا يجوز إلا إذا عادلتها أم كما قال «تروح من الحي أم تبتكر »{[8918]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا القول تكلف{[8919]} ، قول موسى عليه السلام تقرير بغير ألف وهو صحيح كما قال قتادة والله المعين ، وقال السدي والطبري هذا الكلام من موسى عليه السلام على جهة الإقرار بالنعمة ، كأنه يقول تربيتك نعمة علي من حيث عبدت غيري وتركتني ولكن ذلك لا يدفع رسالتي{[8920]} .

قال القاضي أبو محمد : ولكل وجه ناحية من الاحتجاج فالأول ماض في طريق المخالفة لفرعون ونقض كلامه كله ، والثاني مبد من موسى عليه السلام أنه منصف من نفسه معترف بالحق ، ومتى حصل أحد المجادلين في هذه الرتبة وكان خصمه في ضدها غلب المتصف بذلك وصار قوله أوقع في النفوس .


[8918]:القائل هو امرؤ القيس، وهذا صدر بيت من قصيدة قالها يصف فرسه وخروجه إلى الصيد، والبيت بتمامه: تروح من الحي أم تبتكر وماذا عليك بأن تنتظر؟ والرواح: السير في العشي، والابتكار: الخروج مبكرا، يقول: أتروح في آخر النهار أم تخرج مبكرا؟ ولماذا تتعجل الذهاب ؟ وماذا عليك لو انتظرت فالانتظار خير لك؟ والشاهد حذف ألف الاستفهام في (تروح)، إذ أصلها: أتروح؟ والدليل هو وجود (أم) في الكلام.
[8919]:قال النحاس: وهذا لا يجوز لأن ألف الاستفهام تحدث معنى، وحذفها محال إلا أن يكون في الكلام (أم)، ولكن الفراء قال: يجوز حذف ألف الاستفهام في أفعال الشك، وحكى: ترى زيد منطلقا؟ بمعنى: أترى، وعلق علي بن سليمان على كلام الفراء بقوله:إنما أخذه من ألفاظ العامة، وقال الثعلبي حكاية عن الفراء: إن الآية إنكار من موسى عليه السلام على طريق الاستفهام الذي حذفت ألفه، كقوله تعالى: {هذا ربي} وقوله: {فهم الخالدون}، وكقول الشاعر: رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع فقلت وأنكرت الوجوه: هم هم؟ وأنشد الغزنوي شاهدا على ترك الألف قولهم: لم أنس يوم الرحيل وقفتها وجفنها من دموعها شرق وقولها والركاب واقفة تركتني هكذا وتنطلق؟ قال القرطبي: ففي هذا حذف ألف الاستفهام مع عدم (أم) خلاف قول النحاس.
[8920]:وهناك رأي ثالث قاله الضحاك وهو أن الكلام خرج مخرج التبكيت، والتبكيت يكون باستفهام وبغير استفهام، والمعنى: لو لم تقتل بني إسرائيل لرباني أبواي، فأي نعمة لك علي؟ فأنت تمن علي بما لا يجب أن تمن به؟.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ نِعۡمَةٞ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنۡ عَبَّدتَّ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (22)

عاد إلى أول الكلام فكرّ على امتنانه عليه بالتربية فأبطله وأبى أن يسميه نعمة ، فقوله : { وتلك نعمة } إشارة إلى النعمة التي اقتضاها الامتنان في كلام فرعون إذ الامتنان لا يكون إلا بنعمة .

ثم إن جعلت جملة { أن عبدت } بياناً لاسم الإشارة كان ذلك لزيادة تقرير المعنى مع ما فيه من قلب مقصود فرعون وهو على حد قوله تعالى : { وقضينا إليه ذلك الأمر أنّ دابرَ هؤلاء مقطوعٌ مصبحين } [ الحجر : 66 ] إذ قوله { أن دابر هؤلاء } بيان لقوله : { ذلك الأمر } .

ويجوز أن يكون { أن عبدت } في محل نصب على نزع الخافض وهو لام التعليل والتقدير : لأن عبَّدتَّ بني إسرائيل .

وقيل الكلام استفهام بحذف الهمزة وهو استفهام إنكار . ومعنى { عبدت } ذَلَّلْت ، يقال : عبَّد كما يقال : أعبد بهمزة التعدية . أنشد أيمة اللغة :

حتّامَ يُعْبِدني قومي وقد كَثُرتْ *** فيهم آباعِرُ ما شاءوا وَعُبدان

وكلام موسى على التقادير الثلاثة نقض لامتنان فرعون بقلب النعمة نقمة بتذكيره أن نعمة تربيته ما كانت إلا بسبب إذلال بني إسرائيل إذ أمر فرعون باستئصال أطفال بني إسرائيل الذي تسبب عليه إلقاء أمّ موسى بطفلها في اليمّ حيث عثرت عليه امرأة فرعون ومن معها من حاشيتها وكانوا قد علموا أنه من أطفال إسرائيل بسِماتِ وجهه ولون جلده ، ولذلك قالت امرأة فرعون { قُرتُ عين لي ولك لا تَقتلُوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً } [ القصص : 9 ] . وفيه أن الإحسان إليه مع الإساءة إلى قومه لا يزيد إحساناً ولا منة .