{ 92 } { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً }
قال المفسرون : إن بني إسرائيل لما في قلوبهم من الرعب العظيم ، من فرعون ، كأنهم لم يصدقوا بإغراقه ، وشكوا في ذلك ، فأمر الله البحر أن يلقيه على نجوة مرتفعة ببدنه ، ليكون لهم عبرة وآية .
{ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } فلذلك تمر عليهم وتتكرر فلا ينتفعون بها ، لعدم إقبالهم عليها .
وأما من له عقل وقلب حاضر ، فإنه يرى من آيات الله ما هو أكبر دليل على صحة ما أخبرت به الرسل .
وقوله : { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } قال ابن عباس وغيره من السلف : إن بعض بني إسرائيل شكُّوا في موت فرعون ، فأمر الله تعالى البحر أن يلقيه بجسده{[14397]} بلا روح ، وعليه درعه المعروفة [ به ]{[14398]} على نجوة{[14399]} من الأرض وهو المكان المرتفع ، ليتحققوا موته وهلاكه ؛ ولهذا قال تعالى : { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ } أي : نرفعك على نَشز{[14400]} من الأرض ، { بِبَدَنِك } قال مجاهد : بجسدك . وقال الحسن : بجسم لا روح فيه . وقال عبد الله بن شداد : سويا صحيحا ، أي : لم يتمزق ليتحققوه ويعرفوه . وقال أبو صخر : بدرعك{[14401]}
وكل هذه الأقوال لا منافاة بينها ، كما تقدم ، والله أعلم .
وقوله : { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } أي : لتكون لبني إسرائيل دليلا على موتك وهلاكك ، وأن الله{[14402]} هو القادر الذي ناصية كل دابة بيده ، وأنه لا يقوم لغضبه شيء ؛ ولهذا قرأ بعض السلف : " لِتَكُونَ لِمَنْ خَلَقَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ " {[14403]} أي : لا يتعظون{[14404]} بها ، ولا يعتبرون . وقد كان [ إهلاك فرعون وملئه ]{[14405]} يوم عاشوراء ، كما قال البخاري :
حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غُنْدَر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينَة ، واليهود تصوم يوم عاشوراء فقالوا : هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أنتم أحق بموسى منهم ، فصوموه " {[14406]}
وقوله تعالى { فاليوم ننجيك } الآية ، يقوي ما ذكرناه من أنها صورة الحال لأن هذه الألفاظ إنما قيلت بعد فرقة ، وسبب هذه المقالة على ما روي أن بني إسرائيل بعد عندهم غرق فرعون وهلاكه لعظمه عندهم ، وكذب بعضهم أن يكون فرعون يموت فنجي على نجوة من الأرض حتى رآه جميعهم ميتاً كأنه ثور أحمر ، وتحققوا غرقه{[6221]} ، وقرأت فرقة «فاليوم ننجيك » وقالت فرقة معناه من النجاة أي من غمرات البحر والماء ، وقال جماعة معناه : نلقيك على نجوة من الأرض وهي ما ارتفع منها ، ومنه قول أوس بن حجر : [ البسيط ]
فمن بعقوته كمن بنجوته*** والمستكن كمن يمشي بقرواح{[6222]}
وقرأ يعقوب «ننْجِيك » بسكون النون وتخفيف الجيم ، وقرأ أبي بن كعب «ننحّيك » بالحاء المشددة من التنحية ، وهي قراءة محمد بن السميفع اليماني ويزيد البريدي{[6223]} ، وقالت فرقة : معنى { ببدنك } بدرعك{[6224]} ، وقالت فرقة معناه بشخصك وقرأت فرقة «بندائك » أي بقولك { آمنت } الخ الآية ، ويشبه أن يكتب بندائك بغير ألف في بعض المصاحف ، ومعنى الآية أنا نجعلك آية مع ندائك الذي لا ينفع{[6225]} ، وقرأت فرقة هي الجمهور «خلفك » أي من أتى بعدك ، وقرأت فرقة «خلقك » المعنى يجعلك الله آية له في عباده{[6226]} ، ثم بيّن عز وجل العظة لعباده بقوله { وإن كثير من الناس عن آياتنا لغافلون } وهذا خبر في ضمنه توعد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.