تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ} (69)

فانتصر الله لخليله لما ألقوه في النار وقال لها : { كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ْ } فكانت عليه بردا وسلاما ، لم ينله فيها أذى ، ولا أحس بمكروه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ} (69)

48

( قالوا : حرقوه )ولكن كلمة أخرى قد قيلت . . فأبطلت كل قول ، وأحبطت كل كيد . ذلك أنها الكلمة العليا التي لا ترد :

( قلنا : يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) . .

فكانت بردا وسلاما على إبراهيم . .

كيف ?

ولماذا نسأل عن هذه وحدها . و( كوني )هذه هي الكلمة التي تكون بها أكوان ، وتنشأ بها عوالم ، وتخلق بها نواميس : ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له : كن فيكون ) .

فلا نسأل : كيف لم تحرق النار إبراهيم ، والمشهود المعروف أن النار تحرق الأجسام الحية ? فالذي قال للنار : كوني حارقة . هو الذي قال لها : كوني بردا وسلاما . وهي الكلمة الواحدة التي تنشيء مدلولها عند قولها كيفما كان هذا المدلول . مألوفا للبشر أو غير مألوف .

إن الذين يقيسون أعمال الله سبحانه إلى أعمال البشر هم الذين يسألون : كيف كان هذا ? وكيف أمكن أن يكون ? فأما الذين يدركون اختلاف الطبيعتين ، واختلاف الأداتين ، فإنهم لا يسألون أصلا ، ولا يحاولون أن يخلقوا تعليلا . علميا أو غير علمي . فالمسألة ليست في هذا الميدان أصلا . ليست في ميدان التعليل والتحليل بموازين البشر ومقاييس البشر . وكل منهج في تصور مثل هذه المعجزات غير منهج الإحالة إلى القدرة المطلقة هو منهج فاسد من أساسه ، لأن أعمال الله غير خاضعة لمقاييس البشر وعلمهم القليل المحدود .

إن علينا فقط أن نؤمن بأن هذا قد كان ، لأن صانعه يملك أن يكون . أما كيف صنع بالنار فإذا هي برد وسلام ? وكيف صنع بإبراهيم فلا تحرقه النار . . فذلك ما سكت عنه النص القرآني لأنه لا سبيل إلى إدراكه بعقل البشر المحدود . وليس لنا سوى النص القرآني من دليل .

وما كان تحويل النار بردا وسلاما على إبراهيم إلا مثلا تقع نظائره في صور شتى . ولكنها قد لا تهز المشاعر كما يهزها هذا المثل السافر الجاهر . فكم من ضيقات وكربات تحيط بالأشخاص والجماعات من شأنها أن تكون القاصمة القاضية ، وإن هي إلا لفتة صغيرة ، فإذا هي تحيي ولا تميت ، وتنعش ولا تخمد ، وتعود بالخير وهي الشر المستطير .

إن ( يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم )لتتكرر في حياة الأشخاص والجماعات والأمم ؛ وفي حياة الأفكار والعقائد والدعوات . وإن هي إلا رمز للكلمة التي تبطل كل قول ، وتحيط كل كيد ، لأنها الكلمة العليا التي لا ترد !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ} (69)

قال الله : [ عز وجل ]{[19696]} { يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } قال : لم{[19697]} يبق نار في الأرض إلا طفئت .

وقال كعب الأحبار : لم ينتفع [ أحد ]{[19698]} يومئذ بنار ، ولم تحرق النار من إبراهيم سوى وثاقه .

وقال الثوري ، عن الأعمش ، عن شيخ ، عن علي بن أبي طالب : { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } [ قال : بَرَدَتْ عليه حتى كادت تقتله ، حتى قيل : { وَسَلامًا } ] {[19699]} ، قال : لا تضرِّيه .

وقال ابن عباس ، وأبو العالية : لولا أن الله عز وجل قال : { وَسَلامًا } لآذى إبراهيم بَرْدُها .

وقال جُوَيبر ، عن الضحاك : { كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } قال : صنعوا له حظيرة من حَطَب جَزْل ، وأشعلوا فيه النار من كل جانب ، فأصبح ولم يصِبه منها شيء حتى أخمدها الله - قال : ويذكرون أن جبريل كان معه يمسح وجهه من العرق ، فلم يُصِبْه منها شيء غيرُ ذلك .

وقال السدي : كان معه فيها ملك الظل .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا مِهْران ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن المِنْهَال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار ، فقال : كان{[19700]} فيها إما خمسين وإما أربعين ، قال : ما كنت أيامًا وليالي قط أطيب عيشًا إذ كنت فيها ، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها .

وقال أبو زُرْعَة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة قال : إن أحسن [ شيء ]{[19701]} قال أبو إبراهيم - لما رفع عنه الطبق وهو في النار ، وجده يرش جبينه - قال عند ذلك : نعْمَ الربّ ربك يا إبراهيم .

وقال قتادة : لم يأت يومئذ دابة إلا أطفأت عنه النار ، إلا الوَزَغ - وقال الزهري : أمر النبي صلى الله عليه وسلم : بقتله وسماه فويسقًا{[19702]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ، حدثني عمي ، حدثنا جرير بن حازم ، أن نافعًا حدثه قال : حدثتني مولاة{[19703]} الفاكه بن المغيرة المخزومي قالت : دخلت على عائشة فرأيت في بيتها رمحا . فقلت : يا أم المؤمنين ، ما تصنعين بهذا الرمح ؟ فقالت : نقتل به هذه الأوزاغ ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن إبراهيم حين ألقي في النار ، لم يكن{[19704]} في الأرض دابة إلا تطفئ النار ، غير الوَزَغ ، فإنه كان ينفخ على إبراهيم " ، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله{[19705]} .


[19696]:- زيادة من ف.
[19697]:- في ف ، أ : "فلم".
[19698]:- زيادة من ف.
[19699]:- زيادة من ف.
[19700]:- في ف : "فكان".
[19701]:- زيادة من ف.
[19702]:- جاء من حديث أم شريك : رواه البخاري برقم (3307) ومسلم في صحيحه برقم (2237).
[19703]:- في ف ، أ : "حدثني مولاه".
[19704]:- في ف : "تكن"
[19705]:- ورواه أحمد في المسند (6/83 ، 109) وابن ماجه في السنن برقم (3231) من طريق نافع عن سائبة مولاة الفاكه به.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ} (69)

{ قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم } ذات برد وسلام أي ابردي بردا غير ضار ، وفيه مبالغات جعل النار المسخرة لقدرته مأمورة مطيعة وإقامة { كوني } ذات برد مقام أبردي ، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . وقيل نصب { سلاما } بفعله أي وسلمنا سلاما روى أنهم بنوا حظيرة بكوثي وجمعوا فيها نارا عظيمة ثم وضعوه في المنجنيق مغلولا فرموا به فيها فقال له جبريل : هل لك حاجة ، فقال : أما إليك فلا فقال : فسل ربك فقال : حسبي من سؤالي علمه بحالي ، فجعل الله تعالى - ببركة قوله- الحظيرة روضة ولم يحترق منه إلا وثاقه ، فاطلع عليه نمروذ من الصرح فقال إني مقرب إلى إلهك فذبح أربعة آلاف بقرة وكف عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام . وكان إذ ذاك ابن ست عشرة سنة وانقلاب النار هواء طيبا ليس ببدع غير أنه هكذا على خلاف المعتاد فهو إذن من المعتاد فهو إذن من معجزاته وقيل كانت النار بحالها لكنه سبحانه وتعالى دفع عنه أذاها كما ترى في السمندل ويشعر به قوله على إبراهيم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ} (69)

وقد قيل لها { كوني برداً وسلاماً } فاحترق الحبل الذي ربط به فقط .

وروي أن جبريل عليه السلام جاءه وهو في الهواء فقال له ألك حاجة فيروى أنه قال أما إليك فعلا .

ويروى أنه قال إني خليل وإنما أطلب حاجتي من خليلي لا من رسوله فقال الله تعالى : يا إبراهيم قطعت الواسطة بيني وبينك لأقطعنها بيني وبين النار ، يا نار .

وروي أنه حين خوطبت النار خمدت كل نار في الأرض .

وروي أن الغراب كان ينقل الحطب إلى نار إبراهيم .

وروي أن الوزغة{[3]} كانت تنفخ عليه لتضرم وكذلك البغل .

وروي أن العضرفوط والخطافة{[4]} والضفدع كانوا ينقلون الماء لتطفأ النار فأبقى الله على هذه الوقاية وسلط الله على تلك الأخرى النوائب والأيدي وقال بعض العلماء إن الله تعالى لو لم يقل { وسلاماً } لهلك إبراهيم من برد النار .

قال القاضي أبو محمد : وقد أكثر الناس في قصص حرق إبراهيم وذكروا تحديد مدة بقائه في النار وصورة بقائه ما رأيت اختصاره لقلة صحته ، والصحيح من ذلك أنه ألقي في النار فجعلها الله تعالى عليه { برداً وسلاماً } فخرج منها سالماً وكانت أعظم آية .

وروي انهم قالوا إنها نار مسحورة لا تحرق فرموا فيها شيخاً منهم فاحترق .

وروي أن العيدان أينعت وأثمرت له هنالك ثمارها التي كانت أُصولها ، وقوله { وسلاماً } معناه وسلامة ، وقال بعضهم هي تحية من الله تعالى لإبراهيم ( ع ) : وهذا ضعيف وكان الوجه أن يكون مرفوعاً .


[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ} (69)

جملة { قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } مفصولة عن التي قبلها إما لأنها وقعت كالجواب عن قولهم { حرقوه } فأشبهت جمل المحاورة ، وإما لأنها استئناف عن سؤال ينشأ عن قصة التآمر على الإحراق . وبذلك يتعين تقدير جملة أخرى ، أي فألقَوْه في النار قلنا : { يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } . وقد أظهر الله ذلك معجزة لإبراهيم إذ وَجّه إلى النار تعلّقَ الإرادة بسلب قوة الإحراق ، وأن تكون برداً وسلاماً إن كان الكلام على الحقيقة ، أو أزال عن مزاج إبراهيم التأثر بحرارة النار إن كان الكلام على التشبيه البليغ ، أي كوني كبرد في عدم تحريق الملقَى فيككِ بحَرّك .

وأما كونها سلاماً فهو حقيقة لا محالة ، وذِكر { سلاماً } بعد ذكر البرد كالاحتراس لأن البرد مؤذ بدوامه ربما إذا اشتد ، فعُقب ذكره بذكر السلام لذلك . وعن ابن عباس : لو لم يقل ذلك لأهلكته ببَردها . وإنما ذكر { برداً } ثمّ أتبع ب { سلاماً } ولم يقتصر على { برداً } لإظهار عجيب صنع القدرة إذ صيّر النار برداً .

و { على إبراهيم } يتنازعه { برداً وسلاماً } . وهو أشد مبالغة في حصول نفعهما له ، ويجوز أن يتعلق بفعل الكون .