تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (19)

{ 19 - 22 ْ } { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

لما اختلف بعض المسلمين ، أو بعض المسلمين وبعض المشركين ، في تفضيل عمارة المسجد الحرام ، بالبناء والصلاة والعبادة فيه وسقاية الحاج ، على الإيمان باللّه والجهاد في سبيله ، أخبر اللّه تعالى بالتفاوت بينهما ، فقال : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ } أي : سقيهم الماء من زمزم كما هو المعروف إذا أطلق هذا الاسم ، أنه المراد { وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ }

فالجهاد والإيمان باللّه أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام بدرجات كثيرة ، لأن الإيمان أصل الدين ، وبه تقبل الأعمال ، وتزكو الخصال .

وأما الجهاد في سبيل اللّه فهو ذروة سنام الدين ، الذي به يحفظ الدين الإسلامي ويتسع ، وينصر الحق ويخذل الباطل .

وأما عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج ، فهي وإن كانت أعمالا صالحة ، فهي متوقفة على الإيمان ، وليس فيها من المصالح ما في الإيمان والجهاد ، فلذلك قال : { لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } أي : الذين وصفهم الظلم ، الذين لا يصلحون لقبول شيء من الخير ، بل لا يليق بهم إلا الشر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (19)

هذه هي القاعدة في استحقاق عمارة بيوت الله ؛ وفي تقويم العبادات والشعائر على السواء يبينها الله للمسلمين والمشركين ، فما يجوز أن يسوى الذين كانوا يعمرون الكعبة ويسقون الحجيج في الجاهلية ، وعقيدتهم ليست خالصة لله ، ولا نصيب لهم من عمل أو جهاد ، لا يجوز أن يسوى هؤلاء - لمجرد عمارتهم للبيت وخدمتهم للحجيج - بالذين آمنوا إيمانا صحيحا وجاهدوا في سبيل الله وإعلاء كلمته :

( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ? ) . .

( لا يستوون عند الله ) .

وميزان الله هو الميزان وتقديره هو التقدير .

( والله لا يهدي القوم الظالمين ) .

المشركين الذين لا يدينون دين الحق ، ولا يخلصون عقيدتهم من الشرك ، ولو كانوا يعمرون البيت ويسقون الحجيج .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (19)

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (19)

{ أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله } السقاية والعمارة مصدر أسقى وعمر فلا يشبهان بالجثث بل لا بد من إضمار تقديره أجعلتم أهل سقاية الحاج كمن آمن ، أو أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن . ويؤيد الأول قراءة من قرأ " سقاة الحاج وعمرة المسجد " والمعنى إنكار أن يشبه المشركون وأعمالهم المحبطة بالمؤمنين وأعمالهم المثبتة ثم قرر ذلك بقوله : { لا يستوُون عند الله } وبين عدم تساويهم بقوله : { والله لا يهدي الظالمين } أي الكفرة ظلمة بالشرك ومعاداة الرسول عليه الصلاة والسلام منهمكون في الضلالة فكيف يساوون الذين هداهم الله ووفقهم للحق والصواب ، وقيل المراد بالظالمين الذين يسوون بينهم وبين المؤمنين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (19)

وقرأ الجمهور «أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام » وقرأ ابن الزبير{[5560]} وأبو وجزة{[5561]} ومحمد بن علي وأبو جعفر القاري{[5562]} «أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام »{[5563]} ، وقرأها كذلك ابن جبير إلا أنه نصب «المسجدَ » على إرادة التنوين في «عمرة » وقرأ الضحاك وأبو وجزة وأبو جعفر القاري «سُقاية الحاج » بضم السين{[5564]} «وعمرة » ، فأما من قرأ «سقاية وعمارة » ففي الكلام عنده محذوف إما في أوله وإما في آخره فإما أن يقدر «أجعلتم أهل سقاية » وإما أن يقدر كفعل من آمن بالله . وأما من قرأ «سقاة » و «عمرة » فنمط قراءته مستو ، وأما قراءة الضحاك فجمع ساق إلا أنه ضم أوله كما قالوا عرف وعُراف وظئر وظُؤار{[5565]} ، وكان قياسه أن يقال سقاء وإن أنث كما أنث من الجموع حجارة وغيره . فكان القياس سقية من أول مرة على التأنيث قاله ابن جني ، و { سقاية الحاج } كانت في بني هاشم وكان العباس يتولاها ، قال الحسن : ولما نزلت هذه الآية قال العباس : ما أراني إلا أترك السقاية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أقيموا عليها فإنها لكم خير »{[5566]} ، { وعمارة المسجد } قيل هي حفظه من الظلم فيه ويقال هجراً ، وكان ذلك إلى العباس ، وقيل هي السدانة خدمة البيت خاصة ، وكانت في بني عبد الدار وكان يتولاها عثمان بن طلحة بن أبي طلحة واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الدار ، وشيبة بن عثمان بن أبي طلحة المذكور هذان هما اللذان دفع إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة في ثاني يوم الفتح بعد أن طلبه العباس وعلي رضي الله عنهما ، وقال صلى الله عليه وسلم لعثمان وشيبة :

«يوم وفاء وبر خذوها خالدة تالدة لا ينازعكموها إلا ظالم »{[5567]} .

قال القاضي أبو محمد : يعني السدانة واختلف الناس في سبب نزول هذه الآية فقيل إن كفار قريش قالوا لليهود إنَّا نسقي الحجيج ونعمر البيت ، أفنحن أفضل أم محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ؟ فقالت لهم أحبار اليهود بل أنتم ، فنزلت الآية في ذلك ، وقيل إن الكفار افتخروا بهذه الأشياء فنزلت الآية في ذلك ، وأسند الطبري إلى النعمان بن بشير أنه قال : كنت عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه ، فقال أحدهم ما أتمنى بعد الإسلام إلا أن أكون ساقي الحاج ، وقال الآخر إلا أن أكون خادم البيت وعامره ، وقال الثالث إلا أن أكون مجاهداً في سبيل الله ، فسمعهم عمر بن الخطاب فقال : اسكتوا حتى أدخل على النبي صلى الله ليه وسلم فأستفتيه فدخل عليه فاستفتاه فنزلت الآية في ذلك{[5568]} ، وقال ابن عباس والضحاك : إن المسلمين عيروا أسرى بدر بالكفر فقال العباس بل نحن سقاة الحاج وعمرة البيت فنزلت الآية في ذلك{[5569]} ، وقال مجاهد : أمروا بالهجرة فقال العباس أنا أسقي الحاج وقال عثمان بن طلحة أنا حاجب للكعبة فلا نهاجر فنزلت { أجعلتم سقاية الحاج } إلى قوله { حتى يأتي الله بأمره } ، {[5570]} وقال مجاهد وهذا كله قبل فتح مكة ، وقال محمد بن كعب : إن العباس وعلياً وعثمان بن طلحة تفاخروا فقال العباس أنا ساقي الحاج وقال عثمان أنا عامر البيت ولو شئت بت فيه وقال علي أنا صاحب جهاد الكفار مع النبي صلى الله عليه وسلم والذي آمنت وهاجرت قديما ، فنزلت الآية في ذلك{[5571]} .


[5560]:- هو عبد الله بن الزبير بن العوّام القرشي الأسدي، أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه، ولد عام الهجرة، وحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة فكان أول شيء دخل في جوفه هو ريق النبي صلى الله عليه وسلم، وردت عنه =الروايات في حروف القرآن، وقتل سنة 73 من الهجرة، وهو قول الجمهور (الإصابة).
[5561]:- اسمه يزيد بن عبيدة السعدي المدني، وردت عنه الرواية في حروف القرآن، وتوفي سنة 130 من الهجرة. (طبقات القراء).
[5562]:- هو يزيد بن القعقاع أبو جعفر المخزومي المدني القاري، أحد القراء العشرة المشهورين، تابعي كبير القدر (طبقات القراء).
[5563]:-(سُقاة) في هذه القراءة: جمع ساق مثل رام ورماة، و(عمرة) بفتح العين وحذف الألف: جمع عامر مثل صانع وصنعة. قال ابن الجزري في كتابه "النشر في القراءات العشر" : "وهي رواية ميمونة والقورسي عن أبي جعفر، وكذا رواها ابن جبير عن ابن جماز".
[5564]:- قال القرطبي تعقيبا على هذه القراءة: وهي لغة.
[5565]:- العُراق: العظم أكل لحمه. والظّئر: المرضعة لغير ولدها، يقال: ظأرت المرأة والناقة على غير ولدها: عطفت.
[5566]:- أخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {أجعلتم سقاية الحاج} قال: أرادوا أن يدعوا السقاية والحجابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدعوها فإن لكم فيها خيرا). (الدر المنثور).
[5567]:- عثمان بن طلحة بن أبي طلحة: اسمه عبد الله بن عبد العزّى، أسلم في هدنة الحديبية، وهاجر مع خالد بن الوليد. وشهد الفتح مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة ودخل معه بلال وعثمان بن طلحة، وأسامة بن زيد، وفي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من عثمان مفتاح البيت فدخل فمكث فيه نهارا ثم خرج، وقد سكن عثمان بالمدينة إلى أن مات بها سنة اثنين وأربعين من الهجرة.
[5568]:- أخرجه مسلم، وأبو داود، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه- عن النعمان بن بشير رضي الله عنه. وفيه: (فزجرهم عمر رضي الله عنه وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك يوم الجمعة، ولكن إذا صليتم الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم*** الخ (الدر المنثور).
[5569]:- أخرجه ابن جرير، وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه. (الدر المنثور).
[5570]:- أخرجه ابن أبي شيبة، وأبو الشيخ، وابن مردويه- عن عبد الله بن عبيدة رضي الله عنه، وأخرج الفريابي مثله عن ابن سيرين. (الدر المنثور).
[5571]:- أخرج مثله أبو نعيم في فضائل الصحابة، وابن عساكر عن أنس رضي الله عنه، وفيه "شيبة بن عثمان" بدلا من "عثمان".