الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (19)

قوله : { أجعلتم سقاية الحاج } ، إلى قوله : { أجر عظيم }[ 19-22 ] .

ألف { أجعلتم } : ألف تقرير{[28371]} وتوبيخ .

ومعنى { كمن آمن بالله }[ 19 ] ، أي : كإيمان من آمن{[28372]} .

ومعنى الآية : إن المشركين{[28373]} من قريش افتخروا بالسقاية وسدانة{[28374]} البيت ، فأعلمهم الله عز وجل ، أن الفخر إنما هو بالإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله{[28375]} .

وروي أن العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم بدر قال : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام ، والهجرة والجهاد ، لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونسقي الحاج ، ونفك العاني{[28376]} ، فأنزل الله جل ذكره ، : { أجعلتم سقاية الحاج } ، الآية . فذلك لا ينفعكم ، أيها المشركون مع شرككم{[28377]} .

وقال السدي ، وغيره : افتخر علي ، والعباس ، وشيبة{[28378]} ، فقال العباس : أنا أفضلكم ، أنا أسقي حاج الله ، وقال شيبة : [ أنا ]{[28379]} .

أعمر مسجد{[28380]} الله{[28381]} . وقال علي : أنا هجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاهدت معه في سبيل الله عز وجل ، فأنزل الله عز وجل الآية : { أجعلتم }{[28382]} .

وروي أن عليا قال للعباس وشيبة : ألا أنبئكم بمن هو أكرم حسبا منا ؟ قالا : نعم ، /قال : من ضرب خراطيمكم{[28383]} بالسيف حتى قادكم إلى الإسلام كرها{[28384]} ، فشق ذلك عليهما ، [ فشكيا ]{[28385]} إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيهة ، إذ جاءه جبريل عليه السلام{[28386]} ، بهذه الآية : { أجعلتم سقاية الحاج } ، الآية .

وقال الضحاك : أقبل{[28387]} المسلمون على العباس وأصحابه يوم بدر ، وهم قد أسروا ، يعيِّرونهم بالشرك ، فافتخر العباس بالسقاية وعمارة المسجد الحرام ، فأنزل الله عز وجل ، الآية{[28388]} .

قوله : { لا يستوون }[ 19 ] .

أي : لا يعتدل هؤلاء وهؤلاء عند الله{[28389]} .

{ والله لا يهدي القوم الظالمين }[ 19 ] .

أي : لا يوفقهم لصالح الأعمال{[28390]} .


[28371]:في الأصل: تقرين، وهو تحريف.
[28372]:جامع البيان 14/172، وإعراب القرآن للنحاس 2/207، وتفسير القرطبي 8/59، وينظر: مشكل إعراب القرآن 1/325، 326.
[28373]:في "ر": إن قوما من قريش...وفي جامع البيان الذي نقل عنه مكي: "وهذا توبيخ من الله، تعالى ذكره، لقوم...".
[28374]:السادن: خادم الكعبة. وقد "سدن" من باب نصر المختار/سدن.
[28375]:جامع البيان 14/168، باختصار.
[28376]:العاني: الأسير. يقال: "عنا" فلان فيهم أسيرا، من باب: سما، أي: أقام على إسارة فهو عان، وقوم عناة، ونسوة عوان، المختار عنا.
[28377]:هو مروي عن ابن عباس في جامع البيان 14/170، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1768، والدر المنثور 4/145.
[28378]:في جامع البيان: "وشيبة بن عثمان".
[28379]:زيادة من "ر" وجامع البيان.
[28380]:في الأصل، كأنه مساجد.
[28381]:في "ر": عز وجل.
[28382]:جامع البيان 14/172، وفيه:...فأنزل الله: {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله}، إلى {نعيم مقيم}، انظر تفسير القرطبي 8/59، 60.
[28383]:في الأصل: خراطيكم، وهو تحريف، والخرطوم: الأنف، المختار/ خرطم.
[28384]:الكره، بالضم، المشقة، وبالفتح: الإكراه...وقال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد، المختار/كره.
[28385]:زيادة من "ر".
[28386]:في "ر": عليهما.
[28387]:في الأصل: أقبلوا.
[28388]:جامع البيان 14/172، وتفسير ابن كثير 2/341، والدر المنثور 4/146 باختصار.
[28389]:جامع البيان 14/172 بتصرف.
[28390]:انظر: المصدر نفسه 14/173.