محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (19)

وقوله تعالى :

19 { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن ءامن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين }

{ أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن ءامن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين } روى العوفي في ( تفسيره ) عن ابن عباس : " أن المشركين قالوا : عمارة بيت الله ، وقيام على السقاية خير ممن آمن وجاهد ، وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به ، من أجل أنهم أهله وعماره ، فخير الله الإيمان والجهاد مع رسوله ، على عمارة المشركين البيت ، وقيامهم على السقاية ، وبين أن ذلك لا ينفعهم مع الشرك ، وأنهم ظالمون بشركهم لا تغني عمارتهم شيئا " .

قال اللغويون : ( السقاية ) بالكسر والضم موضع السقي . وفي ( التهذيب ) : هو الموضع المتخذ فيه الشراب في المواسم وغيرها . انتهى .

وفي ( التاج ) : سقاية الحاج ما كانت قريش تسقيه للحجاج من الزبيب المنبوذ في الماء ، وكان يليها العباس رضي الله عنه في الجاهلية والإسلام . انتهى .

وروى الإمام مسلم{[4496]} عن النعمان بن بشير قال : " كنت عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل : ما أبالي ألا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام ، وقال الآخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم ، فزجرهم عمر وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو / يوم الجمعة ، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه ، فأنزل الله عز وجل { أجعلتم سقاية الحاج . . . } الآية .

ورواه عبد الرازق في ( مصنفه ) ولفظه : " إن رجلا قال : ما أبالي ألا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج . وقال آخر ، ما أبالي ألا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام . . . " الحديث .

قال بعضهم : فظاهر هذه الرواية أن المفاضلة كانت بين بعض المسلمين المؤثرين للسقاية والعمارة على الهجرة والجهاد ونظائرهما ، ثم نزلت الآية في ذلك ، مع أن الرواية السالفة عن ابن عباس تنافيه . وكذا تخصيص ذكر الإيمان بجانب المشبه به ، وكذا وصفهم بالظلم لأجل تسويتهم المذكورة .

وأقول : لا منافاة وظاهر النظم الكريم فيما قاله ابن عباس لا يرتاب فيه ، وقول النعمان ( فأنزل الله ) بمعنى أن مثل هذا التحاور نزل فيه فيصل متقدم ، وهو هذه الآية ، لا بمعنى أنه كان سببا لنزولها كما بيناه غير ما مرة ، وهذا الاستعمال شائع بين السلف ، ومن لم يتفطن له تناقض عنده ، الروايات ، ويحار في المخرج فافهم ذلك وتفطن له .

وتأييد أبي السعود نزولها في المسلمين بما أطال فيه ، ذهول عن سباق الآية وعن سياقها ، فيما صدعت فيه من شديد التهويل ، وعن لاحقها في درجات التفضيل ، وقصر الفوز والرحمة والرضوان على المشبه به .

لطيفة :

لا يخفى أن السقاية والعمارة مصدران لا يتصور تشبيههما بالأعيان ، فلابد من تقدير مضاف في أحد الجانبين . أي أجعلتم أهلهما كمن آمن بالله . . . الخ ويؤيده قراءة من قرأ { سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام } أو : أجعلتموهما كإيمان من آمن . . . . . الخ .

قال أبو البقاء : الجمهور على { سقاية } بالياء ، وصحت الياء لما كانت بعدها تاء التأنيث .


[4496]:أخرجه مسلم في 33 كتاب الإمارة، حديث رقم 111 (طبعتنا).