غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (19)

17

ثم إنه قال { أجعلتم سقاية الحاج } ومعناه هبوا أن عمارة المسجد وسقي الحجيج يوجب لكم نوعاً من الفضيلة إلا أن هذه الأعمال في مقابلة الإيمان بالله والجهاد شيء نزر . قال المفسرون : إنها نزلت في مناظرة جرت بين فريقين إلا أنهم اختلفوا فقيل : «كافر » و «مؤمن » لقوله { كمن آمن } وقصة ما مر أن العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم بدر قال : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد فلقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج . وروي أن المشركين قالوا لليهود : نحن سقاة الحجيج وعمار المسجد الحرام أفنحن أفضل أم محمد وأصحابه ؟ فقالت اليهود لهم : أنتم أفضل . وقيل : إن كلا الفريقين مؤمن لقوله { أولئك أعظم درجة } وهذا يقتضي أن يكون للمفضول أيضاً درجة . وقصته ما روى عن النعمان بن بشير قال : كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل : لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أسقي الحاج . وقال الآخر : ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد أن أعمر المسجد الحرام . وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم : فزجرهم عمر وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يوم الجمعة ولكني إذا صليت دخلت فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفتم فيه ففعل فأنزل الله الآي . ويروى عن الحسن والشعبي أن طلحة قال : أنا صاحب البيت بيدي مفاتحة ولو أشاء بت فيه . وقال العباس : وذلك بعد إسلامه أنه صاحب السقاية والقائم عليها . وقال عليّ رضي الله عنه : ما أدري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد فنزلت . وعن ابن سيرين : قال عليّ رضي الله عنه للعباس بعد إن كان أسلم : ألا تهاجر ألا تلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : ألست في أفضل من الهجرة ، ألست أسقي حاج بيت الله وأعمر المسجد الحرام ؟ فنزلت هذه الآية . فقال العباس : ما أراني إلا ترك سقايتنا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيراً » . والسقاية والعمارة مصدران من سقي وعمر ، ولا بد من تقدير مضاف أي أجعلتم أهل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن ، أو أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كخصال من آمن ؟ ثم كان لسائل أن يسأل ما بال أحد الفريقين لا يشبه بالآخر فلا جرم قال مستأنفاً { لا يستوون عند الله } ثم صرح بالمفضول فقال { والله لا يهدي القوم الظالمين } أي المشركين { إن الشرك لظلم عظيم } وأي ظلم أشنع من وضع أخس الموجودات وهو الأصنام مقام أشرفها وهو الله سبحانه . وإنما لم يهدهم الله لعدم قابلية وقع في استعدادهم الفطري . وذلك لكونهم مظاهر القهر فافهم .

/خ28