فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (19)

والاستفهام في قوله : { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام } للإنكار وهو استئناف خوطب به المشركون التفاتا عن الغيبة في قوله : { ما كان للمشركين أن يعمروا } .

والسقاية والعمارة مصدران كالسعاية والحماية لا يتصور تشبيههما بالأعيان والجثث فلابد من إضمار تقديره أجعلتم أهل سقاية الحاج أو أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن ، ويؤيد الأول قراءة من قرأ سقاة الحاج وعمرة المسجد جمع ساق وعامر وفيها تشبيه ذات كما في الوجه الأول ، وعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير المحذوف .

{ كمن } أي كإيمان أو كعمل من { آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله } حتى يتفق الموضوع والمحمول { لا يستوون عند الله } المعنى أن الله أنكر عليهم التسوية بين ما كان تعمله الجاهلية من الأعمال التي صورتها صورة الخير وإن لم ينتفعوا بها ، وبين إيمان المؤمنين وجهادهم في سبيل الله .

وقد كان المشركون يفتخرون بالسقاية والعمارة ويفضلونهما على عمل المسلمين فأنكر الله عليهم ذلك ، فصرح سبحانه بالمفاضلة بين الفريقين وتفاوتهم وعدم استوائهم أي لا تساوي تلك الطائفة الكافرة الساقية للحجيج العامرة للمسجد الحرام ، وهذه الطائفة المؤمنة بالله واليوم الآخر المجاهدة في سبيله .

ودل سبحانه بنفي الاستواء على نفي الفضيلة التي يدعيها المشركون أي إذا لم تبلغ أعمال الكفار إلى أن تكون مساوية لأعمال المسلمين ، فكيف تكون فاضلة عليها كما يزعمون ، وهذا الكلام استئناف مؤكد لما علم من إبطال المساواة بالتوبيخ المستفاد من الاستفهام أي لا يستوي الفريقان .

ثم حكم عليهم بالظلم فقال : { والله لا يهدي القوم الظالمين } أي أنهم مع ظلمهم بما هم فيه من الشرك لا يستحقون الهداية من الله سبحانه ، وهو تعليل في المعنى لنفي المساواة ، وفي هذا إشارة إلى الفريق المفضول