جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{۞أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (19)

{ أجعلتم سقاية الحج وعمارة المسجد الحرام } ، أي : أهل السقاية والعمارة ، قيل المصدر بمعنى اسم الفاعل ، أي : الساقي والعامر ، { كمن آمن بالله واليوم{[1935]} الآخر وجاهد في سبيل الله } ، وفي مسلم قال رجل من : الصحابة ما أبالي أن لا أعمل لله عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج ، وقال آخر : بل عمارة المسجد الحرام ، وقال الآخر : الجهاد خير مما قلتم{[1936]} فقال عمر : استفتيت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى : " أجعلتم سقاية الحاج " الآية ، وعن كثير من السلف : أنها نزلت في مفاخرة عباس وطلحة وعلي بن{[1937]} أبي طالب رضي الله عنهم ، قال طلحة أنا صاحب البيت معي مفتاحه ، ولو أشاء أبيت فيه ، وقال العباس بعد إسلامه : أنا صاحب السقاية والقائم عليها ، وقال علي : ما أدري ما تقولان لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد ، وأنزلت حين قال المشركون{[1938]} : عمارة البيت والقيام على السقاية خير من الإيمان والجهاد ، { لا يستوون عند الله } ؛ بل المجاهد أفضل لكن للمرجوح درجة{[1939]} ثم بين بقوله { و الله لا يهدي القوم الظالمين } ، أن من ليس له فضل ، ولا هداية ولا درجة هم الذين ظلموا أنفسهم بعبادة كالأوثان مكان عبادة الله ، وإن كان سبب النزول مفاخرة المشركين فقوله : " و الله لا يهدي القوم الظالمين " لبيان عدم التساوي .


[1935]:جاز أن يكون تقديره: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر وجهاد من جاهد؟!/12 منه.
[1936]:يعني من السقاية والعمارة/12 منه.
[1937]:تصديقا لمن قال الجهد أفضل/12 منه.
[1938]:رواه العوفي في تفسير هذه الآية عن ابن عباس/12 منه.
[1939]:هذا على أن تكون تلك المفاخرة بين المسلمين كما بين في الوجهين الأولين، وأما على الوجه الثالث فهو الذي ذكرناه لقولنا: وإن كان سبب النزول إلى آخره فافهم/12 منه.