فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (19)

والاستفهام في { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاج وَعِمَارَةَ المسجد الحرام } للإنكار ، والسقاية والعمارة مصدران كالسعاية والحماية ، وفي الكلام حذف ، والتقدير : أجعلتم أصحاب سقاية الحاج وعمارة المسجد ، أو أهلهما { كَمَنْ آمَنَ } حتى يتفق الموضوع والمحمول أو يكون التقدير في الخبر : أي جعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ، كعمل من آمن أو كإيمان من آمن . وقرأ ابن أبي وجزة السعدي ، وابن الزبير ، وسعيد بن جبير : «أجعلتم سقاة الحاج ، وعمرة المسجد الحرام » جمع ساق وعامر . وعلى هذه القراءة لا يحتاج إلى تقدير محذوف ، والمعنى : أن الله أنكر عليهم التسوية بين ما كان تعمله الجاهلية من الأعمال التي صورتها صورة الخير ، وإن لم ينتفعوا بها وبين إيمان المؤمنين وجهادهم في سبيل الله ، وقد كان المشركون يفتخرون بالسقاية والعمارة ، ويفضلونهما على عمل المسلمين . فأنكر الله عليهم ذلك ، ثم صرّح سبحانه بالمفاضلة بين الفريقين وتفاوتهم وعدم استوائهم فقال : { لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ الله } أي : لا تساوي تلك الطائفة الكافرة الساقية للحجيج العامرة للمسجد الحرام هذه الطائفة المؤمنة بالله واليوم الآخر المجاهدة في سبيله ، ودلّ سبحانه بنفي الاستواء على نفي الفضيلة ، التي يدّعيها المشركون ، أي إذا لم تبلغ أعمال الكفار إلى أن تكون مساوية لأعمال المسلمين ، فكيف تكون فاضلة عليها كما يزعمون ، ثم حكم عليهم بالظلم وأنهم مع ظلمهم بما هم فيه من الشرك لا يستحقون الهداية من الله سبحانه ، وفي هذا إشارة إلى الفريق .

/خ22