الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (19)

قوله : { سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ } الجمهور على قراءتهما مصدرين على فِعالة ، كالصِّيانة والوِقاية والتِّجارة ، ولم تُقْلب الياء همزة ، لتحصُّنها بتاء التأنيث بخلاف رِداء ، وعَباءة لطُروء تاء التأنيث فيها ، وحينئذٍ فلا بُدَّ مِن حذف مضاف : إمَّا من الأول ، وإمَّا من الثاني ليتصادقَ المجعولان ، والتقدير : أجعلتمْ أهلَ سقايةِ الحاجِّ وعِمارةَ المسجد الحرام كمَنْ آمن ، أو أَجَعَلْتم السقاية والعِمارة كإيمان مَنْ آمن ، أو كعملِ مَنْ آمن .

وقرأ ابن الزبير والباقر وأبو وَجْرة " سُقاة " و " عَمَرَة " بضم السين وبعد الألف تاء التأنيث ، وعَمَرة بفتح العين والميم دون ألف . وهما جمع ساقٍ وعامر كما يُقال : قاضٍ وقُضَاة ورَام ورُماة وبارّ وبَرَرة وفاجِر وفَجَرة . والأصل : سُقَيَة ، فَقُلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها . ولا حاجةَ إلى تقديرِ حذفِ مضافٍ ، وإن احتيج إليه في قراءة الجمهور .

وقرأ سعيد بن جبير كذلك إلا أنه نَصَبَ " المسجد الحرام " ب " عَمَرَة " وحَذَفَ التنوينَ لالتقاء الساكنين كقوله :

2475 . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** ولا ذاكرَ اللَّهَ إلا قليلا

وقوله : { قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدُ اللَّهُ الصَّمَدُ } [ الإخلاص : 1-2 ] .

وقرأ الضحاك " سُقاية " بضم السين و " عمرة " ، وهما جمعان أيضاً ، وفي جمع " ساقٍ " على فُعالة نظرٌ لا يَخْفى . والذي ينبغي أن يُقالَ ولا يُعْدَلَ [ عنه ] أن يُجعل هذا جمعاً لسِقْي ، والسِّقْي هو الشيء المَسْقِيّ كالرِّعْي والطِّحْن ، وفِعْل يُجمع على فُعال ، قالوا : ظِئْر وظُؤار ، وكان مِنْ حقه أن لا تدخلَ عليه تاءُ التأنيث كما لم تدخل في " ظُؤَار " ، ولكنه أنَّث الجمعَ كما أنَّث في قولهم حِجارة وفُحولة . ولا بد حينئذٍ من تقديرِ مضافٍ أي : أجعلتم أصحابَ الأشياءِ المَسْقِيَّة كمَنْ آمن .

قوله : { لاَ يَسْتَوُونَ } في وجهان/ أظهرهما : أنها مستأنفة ، أخبر تعالى بعدم تساوي الفريقين . والثاني : أن يكونَ حالاً من المفعولين للجَعْل والتقدير : سوَّيْتُهم بينهم في حال تفاوتهم .