تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

ولما لام بنو النضير رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين في قطع النخيل والأشجار ، وزعموا أن ذلك من الفساد ، وتوصلوا بذلك{[1032]}  إلى الطعن بالمسلمين ، أخبر تعالى أن قطع النخيل إن قطعوه أو إبقاءهم إياه إن أبقوه ، إنه بإذنه تعالى ، وأمره { وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } حيث سلطكم على قطع نخلهم ، وتحريقها ، ليكون ذلك نكالا لهم ، وخزيا في الدنيا ، وذلا يعرف به عجزهم التام ، الذي ما قدروا على استنقاذ نخلهم ، الذي هو مادة قوتهم . واللينة : اسم يشمل سائر النخيل على أصح الاحتمالات وأولاها ، فهذه حال بني النضير ، وكيف عاقبهم الله في الدنيا .


[1032]:- كذا في ب، وفي أ: به.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

ثم يطمئن المؤمنين على صواب ما أوقعوه بهؤلاء الذين كفروا وشاقوا الله ورسوله من تقطيع نخيلهم وتحريقه ، أو تركه كذلك قائما ، وبيان حكم الله فيه . وقد دخل نفوس بعض المسلمين شيء من هذا :

( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ، وليخزي الفاسقين ) . . واللينة الجيدة من النخل ، أو نوع جيد منه معروف للعرب إذ ذاك . وقد قطع المسلمون بعض نخل اليهود ، وأبقوا بعضه . فتحرجت صدورهم من الفعل ومن الترك . وكانوا منهيين قبل هذا الحادث وبعده عن مثل هذا الاتجاه في التخريب والتحريق . فاحتاج هذا الاستثناء إلى بيان خاص ، يطمئن القلوب . فجاءهم هذا البيان يربط الفعل والترك بإذن الله . فهو الذي تولى بيده هذه الموقعة ؛ وأراد فيها ما أراد ، وأنفذ فيها ما قدره ، وكان كل ما وقع من هذا بإذنه . أراد به أن يخزي الفاسقين . وقطع النخيل يخزيهم بالحسرة على قطعه ؛ وتركه يخزيهم بالحسرة على فوته . وإرادة الله وراء هذا وذاك على السواء .

بذلك تستقر قلوب المؤمنين المتحرجة ، وتشفى صدورهم مما حاك فيها ، وتطمئن إلى أن الله هو الذي أراد وهو الذي فعل . والله فعال لما يريد . وما كانوا هم إلا أداة لإنفاذ ما يريد .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

وقوله تعالى : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } اللين : نوع من التمر ، وهو جيد .

قال : أبو عبيدة : وهو ما خالف العجوة والبَرْنِيّ من التمر .

وقال كثيرون{[28511]} من المفسرين : اللينة : ألوان التمر سوى العجوة .

قال : ابن جرير : هو جميع النخل . ونقله عن مجاهد : وهو البُوَيرة أيضًا ؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاصرهم أمر بقطع نخيلهم{[28512]} إهانة لهم ، وإرهابًا وإرعابًا لقلوبهم . فروى محمد ابن إسحاق عن يزيد بن رومان ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان أنهم قالوا : [ فبعث بنو النضير ] {[28513]} يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك تنهى عن الفساد ، فما بالك تأمر بقطع الأشجار ؟ فأنزل الله هذه الآية الكريمة ، أي : ما قطعتم وما تركتم من الأشجار ، فالجميع بإذن الله ومشيئته وقدرته {[28514]} ورضاه ، وفيه نكاية بالعدو{[28515]} وخزي لهم ، وإرغام لأنوفهم .

وقال مجاهد : نهى بعض المهاجرين بعضًا عن قطع النخل ، وقالوا : إنما هي مغانم المسلمين . فنزل{[28516]} القرآن بتصديق من نهى عن قطعه ، وتحليل من قطعه من الإثم ، وإنما قطعه وتركه بإذنه . وقد روي نحو هذا مرفوعًا ، فقال النسائي : أخبرنا الحسن بن محمد ، عن{[28517]} عفان ، حدثنا حفص بن غياث ، حدثنا حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } قال : يستنزلونهم من حصونهم وأمروا بقطع النخل ، فحاك في صدورهم ، فقال المسلمون : قطعنا بعضًا وتركنا بعضًا ، فلنسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل لنا فيما قطعنا من أجر ؟ وهل علينا فيما تركنا من وزر ؟ فأنزل الله : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ } {[28518]} .

وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا سفيان بن وَكِيع ، حدثنا حفص ، عن ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، عن جابر - وعن أبي الزبير ، عن جابر - قال : رخص لهم في قطع النخل ، ثم شدد عليهم فأتوا{[28519]} النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، علينا إثم فيما قطعنا ؟ أو علينا وزر فيما تركنا ؟ فأنزل الله ، عز وجل : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ } {[28520]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحَرّق .

وأخرجه صاحبا الصحيح من رواية موسى بن عقبة ، بنحوه {[28521]} ولفظ البخاري من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : حاربت{[28522]} النضيرُ وقريظة ، فأجلى بني النضير وأقر قريظة ومَنّ عليهم حتى حاربت قريظة فقتل من رجالهم وقسم{[28523]} نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين ، إلا بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فأمَّنهم وأسلموا ، وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع ، وهم رهط عبد الله بن سلام ، ويهود بني حارثة ، وكلّ يهود بالمدينة .

ولهما أيضًا عن قتيبة ، عن الليث بن سعد ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَرّق نخل بني النضير وقطع - وهي البُوَيرةُ - فأنزل الله ، عز وجل فيه : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } {[28524]} .

وللبخاري ، رحمه الله ، من رواية جُوَيْرية بن أسماء عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَرّق نخل بني النضير{[28525]} . ولها يقول حسان بن ثابت ، رضي الله عنه :

وَهَان عَلى سَراة بني لُؤيّ *** حَريق بالبُوَيَرة مُسْتَطيرُ

فأجابه أبو سفيان بن الحارث يقول :

أدَام اللهُ ذلكَ من صَنيع *** وَحَرّق في نَوَاحيها السَّعير

سَتَعلم أيُّنا منْها بِنزهٍ *** وَتَعْلُمُ أيّ أرْضينَا نَضِيرُ

كذا رواه البخاري {[28526]} ولم يذكره ابن إسحاق .

وقال محمد ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك يذكر إجلاء بني النضير وقتل ابن الأشرف :

لَقَد خَزيت {[28527]} بغَدْرَتِها الحُبُور *** كَذَاكَ الدهرُ ذو صَرْف يَدُورُ

وَذَلك أنَّهم كفَرُوا بِرَبّ *** عَظيم أمرُهُ أمرٌ كَبِيرُ

وقَد أوتوا معًا فَهمًا وعلما *** وَجَاءهُمُ من الله النَّذيرُ

نَذير صَادق أدّى {[28528]} كتابا *** وآيات مُبَيَّنَةً تُنيرُ

فقال {[28529]} ما أتيت بأمر صدق *** وأنت بمنكر منا جَديرُ

فقال : بَلى لقد أديتُ حقًا *** يُصَدّقني به الفَهم الخَبيرُ

فَمن يَتْبعه يُهدَ لِكُل رُشُد *** وَمَن يَكفُر به يُجزَ الكَفُورُ

فَلَمَّا أْشربُوا غَدْرًا وكُفْرًا *** وَجَدّ بهم عن الحَقّ النَفورُ

أرَى الله النبيّ بِرَأي صدْق *** وكانَ الله يَحكُم لا يَجُورُ

فَأيَّدَهُ وَسَلَّطَه عَلَيهم *** وكانَ نَصيرهُ نعْم النَّصيرُ . . .

فَغُودرَ منْهمُو كَعب صريعًا *** فَذَلَّتْ بعدَ مَصْرَعة النَّضيرُ

عَلى الكَفَّين ثمَّ وقَدْ عَلَتْهُ . . . بأيدينا مُشَهَّرة ذكُورُ

بأمْر مُحَمَّد إذ دَس لَيلا *** إلى كَعب أخَا كَعب يَسيرُ

فَمَا كَرَه فَأنزلَه بِمَكْر *** وَمحمودُ أخُو ثقَة جَسُورُ

فَتلْك بَنُو النَّضير بدار سَوء *** أبَارَهُمُ بما اجترموا المُبيرُ

غَداة أتاهُمُ في الزّحْف رَهوًا *** رَسُولُ الله وَهّوَ بهم بَصيرُ

وَغَسَّانُ الحماةُ مُوازرُوه *** عَلَى الأعداء وهو لهم وَزيرُ

فَقَالَ : السْلم ويحكمُ فَصَدّوا *** وَحَالفَ أمْرَهَم كَذبٌ وَزُورُ

فَذَاقُوا غبّ أمْرهُمُ دَبَالا *** لكُلّ ثَلاثَة منهُم بَعيرُ

وَأجلوا عَامدين لقَينُقَاع *** وَغُودرَ مِنْهُم نَخْل ودُورُ {[28530]}

قال : وكان مما{[28531]} قيل من الأشعار في بني النضير قولُ ابن لُقَيم العَبْسيّ - ويقال : قالها قيس بن بحر بن طريف ، قال ابن هشام الأشجعي :

أهلي فدَاءٌ لامرئ غَير هَالك *** أحَلّ {[28532]} اليهودَ بالحَسِى{[28533]} المُزَنَّم

يَقيلُونَ في جَمْر الغَضاة وبُدّلُوا *** أهَيضبَ عودا بالوَدي المُكَمَّم

فإن يَكُ ظَني صَادقًا بمُحَمد *** يَرَوا خَيلَه بينَ الصّلا وَيَرمْرَم{[28534]}

يَؤمّ بها عَمرو بنُ بُهثَةَ إنَّهُمْ *** عَدُو ما حَيّ صَديق كمُجْرم

عَلَيهنّ أبطالُ مَساعيرُ في الوَغَى *** يَهُزّونَ أطرافَ الوَشيج المُقَوّم

وكُلّ رَقيق الشَّفرتَين مُهَنَّدٍ *** تُورثْنَ من أزْمان عاد وَجُرْهُمِ

فَمَن مُبلغٌ عَني قُرَيشًا رسَالة *** فَهَلْ بَعدَهُم في المجْد من مُتَكرّم

بأنّ أخاكمُ فاعلَمنّ مُحَمَّدًا *** تَليدُ النَّدى بينَ الحَجُون وزَمْزَم

فَدينُوا له بالحقّ تَجْسُمْ أمُورُكم *** وتَسْمُوا منَ الدنْيا إلى كُل مُعْظَم

نبي تلافَته منَ الله رَحَمةٌ *** ولا تَسْألُوهُ أمْرَ غَيب مُرَجَّم

فَقَدْ كانَ في بَدْر لَعَمْري عِبرَةٌ *** لَكُم يا قُرَيش والقَليب المُلَمَّم

غَدَاة أتَى في الخَزْرَجيَّةِ عامِدًا *** إليكُم مُطيعًا للعَظيمِ المُكَرّم

مُعَانًا برُوح القُدْس يَنْكي عَدوه *** رَسُولا مِنَ الرّحمن حَقّا بِمَعْلم

رَسُولا مِنَ الرّحمن يَتْلُو كِتابَهُ *** فَلَمّا أنارَ الحَقّ لم يَتَلعْثَم

أرَى أمْرَهُ يَزْدَادُ في كُلّ مَوْطن *** عُلُوّا لأمرْ حَمَّه اللهُ مُحْكَم{[28535]}

وقد أورد ابن إسحاق ، رحمه الله ، هاهنا أشعارًا كثيرة ، فيها آداب ومواعظ وحكم ، وتفاصيل للقصة ، تركنا باقيها اختصارًا واكتفاء بما ذكرناه ، ولله الحمد والمنة .

قال ابن إسحاق : كانت وقعة بني النضير بعد وقعة أحد وبعد بئر معونة . وحكى البخاري ، عن الزهري ، عن عروة أنه قال : كانت وقعة بني النضير بعد بدر بستة أشهر{[28536]} .


[28511]:- (4) في م: "كثير".
[28512]:- (5) في م: "نخلهم".
[28513]:-(6) في هـ بياض، وفي م: "بنو قريظة" وهو خطأ، والمثبت من تفسير الطبري. ومستفادا من هامش ط. الشعب.
[28514]:- (7) في م: "وقدره".
[28515]:- (8) في م: "للعدو".
[28516]:- (9) في م: "فأنزل".
[28517]:- (10) في م: "بن".
[28518]:- (11) سنن النسائي الكبرى برقم (11574).
[28519]:- (1) في م: "فسألوا".
[28520]:- (2) مسند أبي يعلى (4/135) وفيه سفيان بن وكيع، وهو ضعيف. تنبيه: رواية سليمان بن موسى عن جابر لم أجدها في مسند أبي يعلى المطبوع فلعلها سقطت.
[28521]:- (3) المسند (2/7) وصحيح البخاري برقم (2021) وصحيح مسلم برقم (1746).
[28522]:- (4) في م: "حارب".
[28523]:- (5) في م: "فقتل من رجالهم وسبى وقسم".
[28524]:- (6) صحيح البخاري برقم (4884) وصحيح مسلم برقم (1746).
[28525]:- (7) في هـ، أ: "نخل بنى النضير، وقطع البويرة"، وقوله: "قطع البويرة" غير ثابت في البخاري، ويبدو أنه سهو من الناسخ.
[28526]:- (1) صحيح البخاري برقم (4032).
[28527]:- (2) في أ: "خربت".
[28528]:- (3) في م: "أوتي".
[28529]:- (4) في م: "فقالوا".
[28530]:- (5) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (2/199).
[28531]:- (6) في م: "ومما كان".
[28532]:- (1) في أ: "أجلي".
[28533]:- (2) في م، أ: "بالحس".
[28534]:- (3) في أ: "بين الصفا وبزمزم".
[28535]:- (4) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (2/195).
[28536]:- (5) صحيح البخاري (7/329) "فتح".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

حدثنا ابن حَميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان { وَما أفاءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ يعني بني النضير فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلَكِنّ الله يُسَلّط رُسُلَه على مَنْ يَشاءُ وَالله على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال حدثنا ورقاء جمعيا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله { فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ } قال : يذكر ربهم أنه نصرهم ، وكفاهم بغير كراع ، ولا عدّة في قريظة وخيبر ، ما أفاء الله على رسوله من قريظة ، جعلها لمهاجرة قريش .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله { وَما أفاءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلَكِنّ الله يُسَلّط رُسُلَه على مَنْ يَشاءُ وَالله على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }قال : أمر الله عزّ وجلّ نبيه بالسير إلى قريظة والنضير وليس للمسلمين يومئذ كثير خيل ولا ركاب فجعل ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم فيه ما أراد ، ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها . قال : والإيجاف : أن يوضعوا السير وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان من ذلك خيبر وَفدَك وقُرًى عَرَبيةً ، وأمر الله رسوله أن يعد لينبع ، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاحتواها كلها ، فقال ناس : هلا قسّمها ، فأنزل الله عزّ وجلّ عذره ، فقال : { ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِهِ مِنْ أهْل القُرَى فَلِلّهِ وللرّسُولِ وَلِذِي القُرْبى وَاليتَامَى وَالمَساكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ ثم قال : وَما آتاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فانْتَهُوا . . . }الآية .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : { فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ }يعني يوم قُرَيظة .

وقوله : { وَلَكِنّ اللّهَ يُسَلّطُ رُسُلَهُ على مَنْ يَشاء }أعلمك أنه كما سلّط محمدا صلى الله عليه وسلم على بني النضير ، يخبر بذلك جلّ ثناؤه أن ما أفاء الله عليه من أموال لم يُوجِفِ المسلمون بالخيل والركاب ، من الأعداء مما صالحوه عليه له خاصة يعمل فيه بما يرى . يقول : فمحمد صلى الله عليه وسلم إنما صار إليه أموال بني النضير بالصلح إلا عنوة ، ، فتقع فيها القسمة { وَاللّه على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }يقول : والله على كلّ شيء أراده ذو قدرة لا يَعجزه شيء ، وبقُدرته على ما يشاء سلّط نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على ما سلط عليه من أموال بني النضير ، فحازه عليهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ ما قطعتم من لينة }أي شيء قطعتم من نخلة فعلة من اللون ويجمع على ألوان ، وقيل من اللين ومعناها النخلة الكريمة وجمعها أليان { أو تركتموها }الضمير لما وتأنيثه لأنه مفسر باللينة { قائمة على أصولها } ، وقرىء أصلها اكتفاء بالضمة عن الواو ، أو على أنه كرهن ، { فبإذن الله } فبأمره ، { وليخزي الفاسقين } علة لمحذوف أي وفعلتم أو وأذن لكم في القطع ليجزيهم على فسقهم بما غاظهم منه ، روي أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر بقطع نخيلهم قالوا قد كنت يا محمد تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها فنزلت واستدل به على جواز هدم ديار الكفار وقطع أشجارهم زيادة لغيظهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

وقوله : { ما قطعتم من لينة } سببها أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضعوا أيديهم في نخل بني النضير يقطعون ويحرقون ، فقال بنو النضير : ما هذا الإفساد يا محمد وأنت تنهى عن الفساد فكف عن ذلك بعض الصحابة وذلك في صدر الحرب معهم ، فنزلت الآية معلمة أن جميع ما جرى من قطع أو إمساك { فبإذن الله } ، وردت الآية على قول بني النضير ، إن محمداً ينهى عن الفساد وها هو ذا يفسد فأعلم الله تعالى أن ذلك بإذنه ، { ليخزي به الفاسقين } من بني النضير ، واختلف الناس في اللينة ، فقال الحسن ومجاهد وابن زيد وعمرو بن ميمون : اللينة النخلة اسمان بمعنى واحد وجمعها لين وليان ، قال الشاعر [ امرؤ القيس ] [ المتقارب ] :

وسالفة كسحوق الليان . . . أضرم فيها الغوي السعر{[11020]}

وقال الآخر [ ذو الرمة ] :

طراق الخوافي واقع فوق لينة . . . ندى ليله في ريشه يترقرق{[11021]}

وقال ابن عباس وجماعة من اللغويين : اللينة من النخل ما لم يكن عجوة . وقال سفيان بن سعيد الثوري : اللينة الكريمة من النخل ، وقال أبو عبيدة فيما روي عنه وسفيان : اللينة : ما تمرها لون وهو نوع من التمر ، يقال له اللون ، قال سفيان ، هو شديد الصفرة يشف عن نواة من التمر فيرى من خارج ، وأصلها لونة فأبدلت لموافقة الكسرة ، وقال أيضاً أبو عبيدة اللين : ألوان النخل المختلطة التي ليس فيها عجوة ولا برني . وقرأ ابن مسعود والأعمش : «أو تركتموها قوماء على أصولها » .


[11020]:هذا البيت لامرئ القيس، وهو من قصيدة له يصف فيها فرسه وخروجه للصيد، وفيها يقول مشبها فرسه بالجرادة في خفتها وسرعتها:(وأركب في الروع خيفانة..)، والبيت في اللسان(سحق) غير منسوب، وقد استشهد به القرطبي، وأبو حيان في البحر المحيط، والسالفة: أعلى العنق، أو هي ناحيته من معلق القرط إلى الحانقة، وسَحوق الليان هي النخلة الطويلة الجرداء التي لا كرب لها، والكَرَب هو الأصل العريض للسعف إذا يبس. والغوي: الغاوي المُفسد، والسُّعر: شدة الوقود، يشبه عُنق فرسه بالنخلة الطويلة الجرداء، ويصفها بأنها شقراء اللون، فلذلك ذكر الوقود، والشاهد هنا أنه ذكر الليان، وهو جمع اللينة.
[11021]:البيت لذي الرمة، وهو في اللسان(ريع)، والرواية فيه:(واقع فوق ريعة)ن وعلى هذه الرواية لا يستشهد به هنا، ولهذا استشهد به الطبري عند تفسير قوله تعالى في سورة الشعراء:{أتبنون بكل ريع آية تعبثون}، وقد استشهد به صاحب اللسان أيضا في (طرق)ن يقال: طائر طِراق الريش: إذا ركب بعضه بعضا، والخوافي ما تحت القوادم في الطائر من الريش، والقوادم: أربع ريشات طويلة في أول جناح الطائر، ومفردها: قادمة، والشاعر هنا يصف بازيا بأن شعر خوافيه كثيف بعضه فوق بعض، ويقول: إنه نزل فوق نخلة عالية، وأن الندى يلمع فوق ريشه، ويعني هذا أنه قضى ليله فوق هذه النخلة العالية، والشاهد ذكر اللينة هنا وهي النخلة الطويلة الجرداء.