تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (49)

{ 49 - 52 } { فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

يخبر تعالى عن حالة الإنسان وطبيعته ، أنه حين يمسه ضر ، من مرض أو شدة أو كرب . { دَعَانَا } ملحا في تفريج ما نزل به { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا } فكشفنا ضره وأزلنا مشقته ، عاد بربه كافرا ، ولمعروفه منكرا . و { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ } أي : علم من اللّه ، أني له أهل ، وأني مستحق له ، لأني كريم عليه ، أو على علم مني بطرق تحصيله .

قال تعالى : { بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ } يبتلي اللّه به عباده ، لينظر من يشكره ممن يكفره . { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } فلذلك يعدون الفتنة منحة ، ويشتبه عليهم الخير المحض ، بما قد يكون سببا للخير أو للشر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (49)

36

وبعد هذا المشهد المعترض لبيان حالهم يوم يرجعون إلى الله الذي به يشركون ، والذي تشمئز قلوبهم حين يذكر وحده ، وتستبشر حينما تذكر آلهتهم المدعاة . بعد هذا يعود إلى تصوير حالهم العجيب . فهم ينكرون وحدانية الله . فأما حين يصيبهم الضر فهم لا يتوجهون إلا له وحده ضارعين منيبين . حتى إذا تفضل عليهم وأنعم راحوا يتبجحون وينكرون :

( فإذا مس الإنسان ضر دعانا . ثم إذا خولناه نعمة منا ، قال : إنما أوتيته على علم . بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون ) . .

والآية تصور نموذجاً مكرراً للإنسان ، ما لم تهتد فطرته إلى الحق ، وترجع إلى ربها الواحد ، وتعرف الطريق إليه ، فلا تضل عنه في السراء والضراء .

إن الضر يسقط عن الفطرة ركام الأهواء والشهوات ، ويعريها من العوامل المصطنعة التي تحجب عنها الحق الكامن فيها وفي ضمير هذا الوجود . فعندئذ ترى الله وتعرفه وتتجه إليه وحده . حتى إذا مرت الشدة وجاء الرخاء ، نسي هذا الإنسان ما قاله في الضراء ، وانحرفت فطرته بتأثير الأهواء . وقال عن النعمة والرزق والفضل : ( إنما أوتيته على علم ) . . قالها قارون ، وقالها كل مخدوع بعلم أو صنعة أو حيلة يعلل بها ما اتفق له من مال أو سلطان . غافلاً عن مصدر النعمة ، وواهب العلم والقدرة ، ومسبب الأسباب ، ومقدر الأرزاق .

( بل هي فتنة . ولكن أكثرهم لا يعلمون ) . .

هي فتنة للاختبار والامتحان . ليتبين إن كان سيشكر أو سيكفر ؛ وإن كان سيصلح بها أم سيفسد ؛ وإن كان سيعرف الطريق أم يجنح إلى الضلال .

والقرآن - رحمة بالعباد - يكشف لهم عن السر ، وينبههم إلى الخطر ، ويحذرهم الفتنة . فلا حجة لهم ولا عذر بعد هذا البيان .

وهو يلمس قلوبهم بعرض مصارع الغابرين قبلهم . مصارعهم بمثل هذه الكلمة الضالة التي يقولها قائلهم : ( إنما أوتيته على علم ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (49)

يقول تعالى مخبرا عن{[25175]} الإنسان أنه في حال الضراء يَضْرَع إلى الله ، عز وجل ، وينيب إليه ويدعوه ، وإذا{[25176]} خوله منه نعمة بغى وطغى ، وقال : { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ } أي : لما يعلم الله من استحقاقي له ، ولولا أني عند الله تعالى خصيص لما خَوَّلني هذا !

قال قتادة : { عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي } على خيرٍ عندي .

قال الله عز وجل : { بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ } أي : ليس الأمر كما زعموا ، بل [ إنما ]{[25177]} أنعمنا عليه بهذه النعمة لنختبره فيما أنعمنا عليه ، أيطيع أم يعصي ؟ مع علمنا المتقدم بذلك ، فهي فتنة أي : اختبار ، { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ } فلهذا يقولون ما يقولون ، ويدعون ما يدعون .


[25175]:- في ت: "عن حال".
[25176]:- في ت: "فإذا".
[25177]:- زيادة من ت ، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (49)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِذَا مَسّ الإِنسَانَ ضُرّ دَعَانَا ثُمّ إِذَا خَوّلْنَاهُ نِعْمَةً مّنّا قَالَ إِنّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىَ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلََكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فإذا أصاب الإنسان بؤس وشدّة دعانا مستغيثا بنا من جهة ما أصابه من الضرّ ، ثُمّ إذَا خَوّلْناهُ نِعْمَةً مِنّا يقول : ثم إذا أعطيناه فرجا مما كان فيه من الضرّ ، بأن أبدلناه بالضرّ رخاء وسعة ، وبالسقم صحة وعافية ، فقال : إنما أعطيت الذي أعطيت من الرخاء والسعة في المعيشة ، والصحة في البدن والعافية ، على علم عندي ، يعني على علم من الله بأني له أهل لشرفي ورضاه بعملي ( عندي ) يعني : فيما عندي ، كما يقال : أنت محسن في هذا الأمر عندي : أي فيما أظنّ وأحسب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ثُمّ إذَا خَوّلْناهُ نِعْمَةً مِنّا حتى بلغ عَلى عِلْمِ عندي : أي على خير عندي .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إذَا خَوّلْناهُ نِعْمَةً مِنّا قال : أعطيناه .

وقوله : أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ : أي على شرف أعطانيه .

وقوله : بَلْ هَيَ فِتْنَةٌ يقول تعالى ذكره : بل عطيتنا إياهم تلك النعمة من بعد الضرّ الذي كانوا فيه فتنة لهم يعني بلاء ابتليناهم به ، واختبارا اختبرناهم به وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ لجهلهم ، وسوء رأيهم لا يَعْلَمُونَ لأي سبب أعطوا ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ : أي بلاء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (49)

{ فإذا مس الإنسان ضر دعانا } إخبار عن الجنس بما يغلب فيه ، والعطف على قوله { وإذا ذكر الله وحده } بالفاء لبيان مناقضتهم وتعكيسهم في التسبب بمعنى أنهم يشمئزون عن ذكر الله وحده ويستبشرون بذكر الآلهة ، فإذا مسهم ضر دعوا من اشمأزوا من ذكره دون من استبشروا بذكره ، وما بينهما اعتراض مؤكد لإنكار ذلك عليهم : { ثم إذا خولناه نعمة منا } أعطيناه إياه تفضلا فإن التخويل مختص به . { قال إنما أوتيته على علم } مني بوجوه كسبه ، أو بأني سأعطاه لما لي من استحقاقه ، أو من الله بي واستحقاقي ، والهاء فيه لما إن جعلت موصولة وإلا فللنعمة والتذكير لأن المراد شيء منها . { بل هي فتنة } امتحان له أيشكر أم يكفر ، وهو رد لما قاله وتأنيث الضمير باعتبار الخير أو لفظ ال { نعمة } ، وقرئ بالتذكير . { ولكن أكثرهم لا يعلمون } ذلك ، وهو دليل على أن الإنسان للجنس .