تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَّن يُصۡرَفۡ عَنۡهُ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمَهُۥۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡمُبِينُ} (16)

وذلك اليوم هو اليوم الذي يُخاف عذابه ، ويُحذر عقابه ؛ لأنه مَن صُرف عنه العذاب يومئذ فهو المرحوم ، ومن نجا فيه فهو الفائز حقا ، كما أن من لم ينج منه فهو الهالك الشقي .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَّن يُصۡرَفۡ عَنۡهُ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمَهُۥۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡمُبِينُ} (16)

12

وأمر كذلك أن يقذف في قلوبهم بالرعب والترويع ؛ في الوقت الذي يعلن فيه تصوره لجدية الأمر والتكليف ولخوفه هو من عذاب ربه ، إن عصاه فيما أمر به من الإسلام والتوحيد :

( قل : إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم . من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه ، وذلك الفوز المبين ) . .

إنه تصوير لحقيقة مشاعر الرسول [ ص ] تجاه أمر ربه له ؛ وتجسيم لخوفه من عذابه . العذاب الذي يعتبر مجرد صرفه عن العبد رحمه من الله وفوزا مبينا . ولكنه في الوقت ذاته حمله مزلزلة على قلوب المشركين في ذلك الزمان ، وقلوب المشركين بالله في كل زمان . حملة مزلزلة تصور العذاب في ذلك اليوم العظيم ؛ يطلب الفريسة ، ويحلق عليها ، ويهجم ليأخذها . فلا تصرفه عنها إلا القدرة القادرة التي تأخذ بخطامه فتلويه عنها ! وإن أنفاس القاريء لهذا التصوير لتحتبس - وهو يتمثل المشهد - في انتظار هذه اللقطة الأخيرة !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَّن يُصۡرَفۡ عَنۡهُ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمَهُۥۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡمُبِينُ} (16)

القول في تأويل قوله تعالى : { مّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ } . .

اختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامّة قراء الحجاز والمدينة والبصرة : مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ بضم الياء وفتح الراء ، بمعنى : من يصرف عنه العذاب يومئد . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة «مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ » بفتح الياء وكسر الراء ، بمعنى : من يصرف الله عنه العذاب يومئذ .

وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي ، قراءة من قرأه : «يَصْرِفْ عَنْهُ » بفتح الياء وكسر الراء ، لدلالة قوله : فَقَدْ رَحِمَهُ على صحة ذلك ، وأن القراءة فيه بتسمية فاعله . ولو كانت القراءة في قوله : مَنْ يُصْرَفُ على وجه ما لم يسمّ فاعله ، كان الوجه في قوله : فَقَدْ رَحِمَهُ أن يقال : «فقد رُحِم » غير مسمى فاعله وفي تسمية الفاعل في قوله : فَقَدْ رَحِمَهُ دليل على بين أن ذلك كذلك في قوله : «مَنْ يَصْرِفُ عَنْهُ » . وإذا كان ذلك هو الوجه الأولى بالقراءة ، فتأويل الكلام : مَنْ يَصْرِفْ عَنْهُ من خلقه يَوْمِئِذٍ عذابه فَقَدْ رَحِمَهُ وذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ المُبِينُ . ويعني بقوله : ذَلِكَ : وصرف الله عنه العذاب يوم القيامة ، ورحمته إياه الفَوْزُ أي النجاة من الهلكة والظفر بالطلبة المُبِينُ يعني الذي بين لمن رآه أنه الظفر بالحاجة وإدراك الطلبة .

وبنحو الذي قلنا في قوله : مَنْ يَصْرِفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ قال : من يصرف عنه العذاب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَّن يُصۡرَفۡ عَنۡهُ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمَهُۥۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡمُبِينُ} (16)

{ من يصرف عنه يومئذ } أي بصرف العذاب عنه . وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وأبو بكر عن عاصم { يصرف } على أن الضمير فيه لله سبحانه وتعالى . وقد قرئ بإظهاره والمفعول به محذوف ، أو يومئذ بحذف المضاف . { فقد رحمه } نجاه وأنعم عليه . { وذلك الفوز المبين } أي الصرف أو الرحمة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَّن يُصۡرَفۡ عَنۡهُ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمَهُۥۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡمُبِينُ} (16)

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم «من يُصرَف عنه » بضم الياء وفتح الراء ، والمفعول الذي أسند إليه الفعل هو الضمير العائد على العذاب فهو مقدر ، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم أيضاً : «من يصرف عنه » فيسند الفعل إلى الضمير العائد إلى { ربي } ويعمل في ضمير العذاب المذكور آنفاً لكنه مفعول محذوف ، وحكي أنه ظهر في قراءة عبد الله وهي «من يصرفه عنه يومئذ » ، وفي قراءة أبيّ بن كعب «من يصرفه الله عنه » وقيل : إنها من يصرف الله عنه ، قال أبو علي وحذف هذا الضمير لا يحسن كما يحسن حذف الضمير من الصلة ، كقوله عز وجل :{ أهذا الذي بعث الله رسولاً }{[4842]} وكقوله : { وسلام على عباده الذين اصطفى }{[4843]} معناه بعثه . واصطفاهم فحسن هذا للطول كما علله سيبويه ، ولا يحسن هذا لعدم الصلة ، قال بعض الناس القراءة بفتح الياء «من يَصرف » أحسن لأنه يناسب { فقد رحمه } وكان الأولى على القراءة الأخرى «فقد رحم » ليتناسب الفعلان .

قال القاضي أبو محمد : وهذا توجيه لفظي تعلقه خفيف ، وأما بالمعنى فالقراءتان واحد ، ورجح قوم قراءة ضم الياء لأنها أقل إضماراً ، وأشار أبو علي إلى تحسين القراءة بفتح الياء بما ذكرناه ، وأما مكي بن أبي طالب رحمه الله فتخبط في كتاب الهداية في ترجيح القراءة بفتح الياء ، ومثل في احتجاجه بأمثلة فاسدة والله ولي التوفيق{[4844]} .

و( رحم ) عامل في الضمير المتصل وهو ضمير [ من ] ومستند إلى الضمير العائد إلى ربي ، وقوله : { وذلك } إشارة إلى صرف العذاب وإلى الرحمة ، والفوز والنجاة .


[4842]:- من الآية (41) من سورة (الفرقان)
[4843]:- من الآية (59) من سورة (النمل).
[4844]:- كثير من العلماء يرفضون ترجيح قراءة على قراءة، قال أبو حيان الأندلسي تعليقا على ما نقله ابن عطية هنا: "وقد تقدم لنا غير مرة أنا لا نرجح بين القراءتين المتواترتين". وحكى أبو عمرو الزاهد في كتاب "اليواقيت" أن أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلبا كان لا يرى الترجيح بين القراءات السبع، ونقل أبو حيان عن ثعلب أنه قال: "إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السبعة لم أفضل إعرابا على إعراب في القرآن، فإذا خرجت إلى الكلام كلام الناس فضلت الأقوى"، ثم قال أبو حيان: "ونعم السلف لنا أحمد بن يحيى كان عالما بالنحو واللغة متدينا ثقة".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَّن يُصۡرَفۡ عَنۡهُ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمَهُۥۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡمُبِينُ} (16)

{ يصرف } مبني للمجهول في قراءة الأكثر ، على أنّه رافع لضمير العذاب أو لضمير { من } على النيابة عن الفاعل . والضمير المجرور ب« عن » عائد إلى { مَن } أي يصرف العذاب عنه ، أو عائد إلى العذاب ، أي من يصرف هو عن العذاب ، وعلى عكس هذا العود يكون عود الضمير المستتر في قوله : { يصرف } .

وقرأه حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، ويعقوب ، وخلف { يصرف } بالبناء للفاعل على أنّه رافع لضمير { ربّي } على الفاعلية .

أمّا الضمير المستتر في { رحمَهُ } فهو عائد إلى { ربّي } ، والمنصوب عائد إلى { مَن } على كلتا القراءتين .

ومعنى وصف العذاب بمضمون جملة الشرط والجزاء ، أي من وفّقه الله لتجنّب أسباب ذلك العذاب فهو قد قدّر الله له الرحمة ويسّر له أسبابها .

والمقصود من هذا الكلام إثبات مقابل قوله : { إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم } كأنّه قال : أرجو إن أطعته أن يرحمني ربّي ، لأنّ من صرف عنه العذاب ثبتت له الرحمة . فجاء في إفادة هذا المعنى بطريقة المذهب الكلامي . وهو ذكر الدليل ليعلم المدلول . وهذا ضرب من الكناية وأسلوب بديع بحيث يدخل المحكوم له في الحكم بعنوان كونه فرداً من أفراد العموم الذين ثبت لهم الحكم .

ولذلك عقّبه بقوله : { وذلك الفوز المبين } . والإشارة موجّهة إلى الصرف المأخوذ من قوله : { من يصرف عنه } أو إلى المذكور . وإنّما كان الصرف عن العذاب فوزاً لأنّه إذا صرف عن العذاب في ذلك اليوم فقد دخل في النعيم في ذلك اليوم . قال تعالى : { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنّة فقد فاز } [ آل عمران : 185 ] . و { المبين } اسم فاعل من أبان بمعنى بان .