تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (190)

فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا على وفق ما طلبا ، وتمت عليهما النعمة فيه جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا أي : جعلا للّه شركاء في ذلك الولد الذي انفرد اللّه بإيجاده والنعمة به ، وأقرَّ به أعين والديه ، فَعَبَّدَاه لغير اللّه . إما أن يسمياه بعبد غير اللّه ك " عبد الحارث " و " عبد العزيز " {[335]} و " عبد الكعبة " ونحو ذلك ، أو يشركا باللّه في العبادة ، بعدما منَّ اللّه عليهما بما منَّ من النعم التي لا يحصيها أحد من العباد .

وهذا انتقال من النوع إلى الجنس ، فإن أول الكلام في آدم وحواء ، ثم انتقل إلى الكلام في الجنس ، ولا شك أن هذا موجود في الذرية كثيرا ، فلذلك قررهم اللّه على بطلان الشرك ، وأنهم في ذلك ظالمون أشد الظلم ، سواء كان الشرك في الأقوال ، أم في الأفعال ، فإن الخالق لهم من نفس واحدة ، الذي خلق منها زوجها وجعل لهم من أنفسهم أزواجا ، ثم جعل بينهم من المودة والرحمة ما يسكن بعضهم إلى بعض ، ويألفه ويلتذ به ، ثم هداهم إلى ما به تحصل الشهوة واللذة والأولاد والنسل .

ثم أوجد الذرية في بطون الأمهات ، وقتا موقوتا ، تتشوف إليه نفوسهم ، ويدعون اللّه أن يخرجه سويا صحيحا ، فأتم اللّه عليهم النعمة وأنالهم مطلوبهم .

أفلا يستحق أن يعبدوه ، ولا يشركوا به في عبادته أحدا ، ويخلصوا له الدين .


[335]:- في ب: العزى.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (190)

172

( فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما . فتعالى الله عما يشركون ! ) . .

إن بعض الروايات في التفسير تذكر هذه القصة على أنها قصة حقيقية وقعت لآدم وحواء . . إذ كان أبناؤهما يولدون مشوهين . فجاء إليهما الشيطان فأغرى حواء أن تسمي ما في بطنها " عبد الحارث " . . والحارث اسم لإبليس . ليولد صحيحاً ويعيش ؛ ففعلت وأغرت آدم معها ! وظاهر ما في هذه الرواية من طابع إسرائيلي . . ذلك أن التصور الإسرائيلي المسيحي - كما حرفوا ديانتهم - هو الذي يلقي عبء الغواية على حواء ، وهو مخالف تماماً للتصور الإسلامي الصحيح .

ولا حاجة بنا إلى هذه الإسرائيليات لتفسير هذا النص القرآني . . فهو يصور مدارج الانحراف في النفس البشرية . . ولقد كان المشركون على عهد رسول الله [ ص ] وقبله ، ينذرون بعض أبنائهم للآلهة ، أو لخدمة معابد الآلهة ! تقرباً وزلفى إلى الله ! ومع توجههم في أول الأمر لله ، فإنهم بعد دحرجة من قمة التوحيد إلى درك الوثنية كانوا ينذرون لهذه الآلهة أبناءهم لتعيش وتصح وتوقى المخاطر ! كما يجعل الناس اليوم نصيباً في أبدان أبنائهم للأولياء والقديسين . كأن يستبقوا شعر الغلام لا يحلق أول مرة إلا على ضريح ولي أو قديس . أو أن يستبقوه فلا ختان حتى يختن هناك . مع أن هؤلاء الناس اليوم يعترفون بالله الواحد . ثم يتبعون هذا الاعتراف بهذه الاتجاهات المشركة . والناس هم الناس !

( فتعالى الله عما يشركون ! ) .

وتنزه عن الشرك الذي يعتقدون ويزاولون !

على أننا نرى في زماننا هذا صنوفاً وألواناً من الشرك ؛ ممن يزعمون أنهم يوحدون الله ويسلمون له ، ترسم لنا صورة من مدارج الشرك التي ترسمها هذه النصوص .

إن الناس يقيمون لهم اليوم آلهة يسمونها " القوم " ويسمونها " الوطن " ، ويسمونها " الشعب " . . إلى آخر ما يسمون . وهي لا تعدو أن تكون أصناماً غير مجسدة كالأصنام الساذجة التي كان يقيمها الوثنيون . ولا تعدو أن تكون آلهة تشارك الله - سبحانه - في خلقه ، وينذر لها الأبناء كما كانوا ينذرون للآلهة القديمة ! ويضحون لها كالذبائح التي كانت تقدم في المعابد على نطاق واسع !

إن الناس يعترفون بالله ربا . ولكنهم ينبذون أوامره وشرائعه من ورائهم ظهرياً ، بينما يجعلون أوامر هذه الآلهة ومطالبها " مقدسة " . تخالف في سبيلها أوامر الله وشرائعه ، بل تنبذ نبذاً . فكيف تكون الآلهة ؟ وكيف يكون الشرك ؟ وكيف يكون نصيب الشركاء في الأبناء . . إن لم يكن هو هذا الذي تزاوله الجاهلية الحديثة ! !

ولقد كانت الجاهلية القديمة اكثر أدباً مع الله . . لقد كانت تتخذ من دونه آلهة تقدم لها هذه التقدمات من الشرك في الأبناء والثمار والذبائح لتقرب الناس من الله زلفى ! فكان الله في حسها هو الأعلى . فأما الجاهلية الحديثة فهي تجعل الآلهة الأخرى أعلى من الله عندها . فتقدس ما تأمر به هذه الآلهة وتنبذ ما يأمر به الله نبذاً !

إننا نخدع أنفسنا حين نقف بالوثنية عند الشكل الساذج للأصنام والآلهة القديمة ، والشعائر التي كان الناس يزاولونها في عبادتها واتخاذها شفعاء عند الله . . إن شكل الأصنام والوثنية فقط هو الذي تغير . كما أن الشعائر هي التي تعقدت ، واتخذت لها عنوانات جديدة . . أما طبيعة الشرك وحقيقته فهي القائمة من وراء الأشكال والشعائر المتغيرة . .

وهذا ما ينبغي ألا يخدعنا عن الحقيقة !

إن الله - سبحانه - يأمر بالعفة والحشمة والفضيلة . ولكن " الوطن " أو " الإنتاج " يأمر بأن تخرج المرأة وتتبرج وتغري وتعمل مضيفة في الفنادق في صورة فتيات الجيشا في اليابان الوثنية ! فمن الإله الذي تتبع أوامره ؟ أهو الله سبحانه ؟ أم إنها الآلهة المدعاة ؟

إن الله - سبحانه - يأمر أن تكون رابطة التجمع هي العقيدة . . ولكن " القومية " أو " الوطن " يأمر باستبعاد العقيدة من قاعدة التجمع ؛ وأن يكون الجنس أو القوم هو القاعدة ! . . فمن هو الإله الذي تتبع أوامره ؟ أهو الله - سبحانه - أم هي الآلهة المدعاة ؟ !

إن الله - سبحانه - يأمر أن تكون شريعته هي الحاكمة . ولكن عبداً من العبيد - أو مجموعة من " الشعب " - تقول : كلا ! إن العبيد هم الذين يشرعون وشريعتهم هي الحاكمة . . فمن هو الإله الذي تتبع اوامره ؟ أهو الله سبحانه أم هي الآلهة المدعاة ؟ !

إنها أمثلة لما يجري في الأرض كلها اليوم ؛ ولما تتعارف عليه البشرية الضالة . . أمثلة تكشف عن حقيقة الوثنية السائدة ، وحقيقة الأصنام المعبودة ، المقامة اليوم بديلاً من تلك الوثنية الصريحة ، ومن تلك الأصنام المنظورة ! ويجب ألا تخدعنا الأشكال المتغيرة للوثنية والشرك عن حقيقتها الثابتة ! ! !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (190)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : فلما رزقهما الله ولدا صالحا كما سألا جعلا له شركاء فيما آتاهما ورزقهما .

ثم اختلف أهل التأويل في الشركاء التي جعلاها فيما أوتيا من المولود ، فقال بعضهم : جعلا له شركاء في الاسم . ذكر من قال ذلك .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال حدثنا عمر بن إبراهيم ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «كانَتْ حَوّاءُ لا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ ، فَنَذَرَتْ لَئِنْ عاشَ لَهَا وَلَدٌ لَتُسَمّيَنه عَبْدَ الحَرْثِ ، فعاشَ لَهَا وَلَدٌ ، فَسَمّتْهُ عَبْدَ الحَرْثِ ، وإنّمَا كانَ ذلكَ مِنْ وَحْيِ الشّيْطانِ » .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا معتمر ، عن أبيه ، قال : حدثنا أبو العلاء ، عن سَمُرة بن جندب : أنه حدث أن آدم عليه السلام سمى ابنه عبد الحرث .

قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن سليمان التيمي ، عن أبي العلاء بن الشّخيّر ، عن سمرة بن جندب ، قال : سمى آدم ابنه : عبد الحرث .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كانت حوّاء تلد لاَدم ، فتعبّدهم لله ، وتسميه عبد الله وعُبيد الله ونحو ذلك ، فيصيبهم الموت ، فأتاها إبليسُ وآدمَ ، فقال : إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه لعاش فولدت له رجلاً ، فسماه عبد الحرث ، ففيه أنزل الله تبارك وتعالى : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ . . . إلى قوله : جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُمَا . . . إلى آخر الاَية .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله في آدم : هُوَ الذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ . . . إلى قوله : فَمَرّتْ بِهِ فشكّت أحبلت أم لا ؟ فَلَمّا أثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صَالِحا . . . الاَية ، فأتاهما الشيطان فقال : هل تدريان ما يولد لكما أم هل تدريان ما يكون أبهيمة تكون أم لا ؟ وزين لهما الباطل إنه غويّ مبين . وقد كانت قبل ذلك ولد ولدين فماتا ، فقال لهما الشيطان : إنكما إن لم تسمياه بي لم يخرج سويّا ومات كما مات الأوّلان فسميا ولديهما عبد الحرث فذلك قوله : فَلَمّا آتاهُمَا صَالِحا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُمَا . . . الاَية .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : لما وُلد له أوّل ولد ، أتاه إبليس فقال : إني سأنصح لك في شأن ولدك هذا تسميه عبد الحرث فقال آدم : أعوذ بالله من طاعتك قال ابن عباس : وكان اسمه في السماء الحارث . قال آدم : أعوذ بالله من طاعتك إني أطعتك في أكل الشجرة ، فأخرجتني من الجنة ، فلن أطيعك . فمات ولده ، ثم وُلد له بعد ذلك ولد آخر ، فقال : أطعني وإلاّ مات كما مات الأوّل فعصاه ، فمات ، فقال : لا أزال أقتلهم حتى تسميه عبد الحرث . فلم يزل به حتى سماه عبد الحرث ، فذلك قوله : جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُمَا : أشركه في طاعته في غير عبادة ، ولم يُشرك بالله ، ولكن أطاعه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن هارون ، قال : أخبرنا الزبير بن الخريت ، عن عكرمة ، قال : ما أشرك آدمُ ولا حوّاء ، وكان لا يعيش لهما ولد ، فأتاهما الشيطان فقال : إن سرّكما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحرث فهو قوله : جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُمَا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفا قال : كان آدم عليه السلام لا يولد له ولد إلاّ مات ، فجاءه الشيطان ، فقال : إن سرّك أن يعيش ولدك هذا ، فسميه عبد الحرث ففعل ، قال : فأشركا في الاسم ولم يُشركا في العبادة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فَلَمّا آتاهُمَا صَالحا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُمَا ذُكر لنا أنه كان لا يعيش لهما ولد ، فأتاهما الشيطان ، فقال لهما : سمياه عبد الحرث وكان من وحي الشيطان وأمره ، وكان شركا في طاعته ، ولم يكن شركا في عبادته .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَلَمّا آتاهُمَا صَالِحا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُمَا فَتَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ قال : كان لا يعيش لاَدم وامرأته ولد ، فقال لهما الشيطان : إذا ولد لكما ولد ، فسمياه عبد الحرث ففعلا وأطاعاه ، فذلك قول الله : فَلَمّا آتاهُمَا صَالِحا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ . . . الاَية .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن سالم بن أبي حفصة ، عن سعيد بن جبير ، قوله : أثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبّهُما . . . إلى قوله تعالى : فَتَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ قال : لما حملت حوّاء في أوّل ولد ولدته حين أثقلت ، أتاها إبليس قبل أن تلد ، فقال : يا حوّاء ما هذا الذي بطنك ؟ فقالت : ما أدري . فقال : من أين يخرج ؟ من أنفك ، أو من عينك ، أو من أذنك ؟ قالت : لا أدري . قال : أرأيت إن خرج سليما أتطيعيني أنت فيما آمرك به ؟ قالت : نعم . قال : سميه عبد الحرث وقد كان يسمى إبليس الحرث ، فقالت : نعم . ثم قالت بعد ذلك لاَدم : أتاني آت في النوم فقال لي كذا وكذا ، فقال : إن ذلك الشيطان فاحذريه ، فإنه عدوّنا الذي أخرجنا من الجنة ثم أتاها إبليس ، فأعاد عليها ، فقالت : نعم . فلما وضعته أخرجه الله سليما ، فسمته عبد الحرث ، فهو قوله : جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُمَا فَتَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير وابن فضيل ، عن عبد الملك ، عن سعيد بن جبير ، قال : قيل له : أشرك آدم ؟ قال : أعوذ بالله أن أزعم أن آدم أشرك ولكن حوّاء لما أثقلت ، أتاها إبليس فقال لها : من أين يخرج هذا ، من أنفك أو من عينك أو من فيك ؟ فقنطها ، ثم قال : أرأيت إن خرج سويّا زاد ابن فضيل لم يضرّك ولم يقتلك أتطيعيني ؟ قالت : نعم . قال : فسميه عبد الحرث ففعلت . زاد جرير : فإنما كان شركه في الاسم .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : فولدت غلاما ، يعني حوّاء ، فأتاهما إبليس فقال : سموه عبدي وإلاّ قتلته قال له آدم عليه السلام : قد أطعتك وأخرجتني من الجنة ، فأبى أن يطيعه ، فسماه عبد الرحمن ، فسلط الله عليه إبليس فقتله . فحملت بآخر فلما ولدته قال لها : سميه عبدي وإلاّ قتلته قال له آدم : قد أطعتك فأخرجتني من الجنة . فأبى ، فسماه صالحا فقتله . فلما أن كان الثالث ، قال لهما : فإذا غُلبتم فسموه عبد الحرث وكان اسمَ إبليس وإنما سمي إبليس حين أُبلس . ففعلوا ، فذلك حين يقول الله : جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُمَا يعني في التسمية .

وقال آخرون : بل المعنيّ بذلك رجل وامرأة من أهل الكفر من بني آدم جعلا لله شركاء من الاَلهة والأوثان حين رزقهما فارزقهما من الولد . وقالوا : معنى الكلام : هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ، فلما تغشاها : أي هذا الرجل الكافر ، حملت حملاً خفيفا ، فلما أثقلت دعوتما الله ربكما . قالوا : وهذا مما ابتدىء به الكلام على وجه الخطاب ، ثم ردّ إلى الخبر عن الغائب ، كما قيل : هُوَ الّذِي يُسَيّرُكُمْ فِي البَرّ والبَحْرِ حتى إذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيّبَةٍ . وقد بيّنا نظائر ذلك بشواهده فيما مضى قبل . ذكر من قال ذلك .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الحسن : جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُمَا قال : كان هذا في بعض أهل الملل ، ولم يكن بآدم .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال الحسن : عني بهذا ذرية آدم ، من أشرك منهم بعده . يعني بقوله : فَلَمّا آتاهُمَا صَالِحا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُمَا .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان الحسن يقول : هم اليهود والنصارى ، رزقهم الله أولادا فهوّدوا ونصروا .

قال أبو جعفر : وأولى القولين بالصواب قول من قال : عني بقوله : فَلَمّا آتاهُمَا صَالِحا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ في الاسم لا في العبادة ، وأن المعنيّ بذلك آدم وحوّاء لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك .

فإن قال قائل : فما أنت قائل إذ كان الأمر على ما وصفت في تأويل هذه الاَية ، وأن المعنيّ بها آدم وحوّاء في قوله : فَتَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ؟ أهو استنكاف من الله أن يكون له في الأسماء شريك أو في العبادة ؟ فإن قلت في الأسماء دلّ على فساده قوله : أيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وإن قلت في العبادة ، قيل لك : أفكان آدم أشرك في عبادة الله غيره ؟ قيل له : إن القول في تأويل قوله : فَتَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ليس بالذي ظننت ، وإنما القول فيه : فتعالى الله عما يشرك به مشركو العرب من عبدة الأوثان . فأما الخبر عن آدم وحوّاء فقد انقضى عند قوله : جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُمَا ثم استؤنف قوله : فَتَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ . كما :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : فَتَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ يقول : هذه فصل من آية آدم خاصة في آلهة العرب .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : شُرَكاءَ فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة وبعض المكيين والكوفيين : «جَعَلا لَهُ شِرْكا » بكسر الشين ، بمعنى الشركة . وقرأه بعض المكيين وعامة قرّاء الكوفيين وبعض البصريين : جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ بضمّ الشين ، بمعنى جمع شريك .

وهذه القراءة أولى القراءتين بالصواب ، لأن القراءة لو صحت بكسر الشين لوجب أن يكون الكلام : فلما آتاهما صالحا جعلا لغيره فيه شركا لأن آدم وحوّاء لم يَدينا بأن ولدهما من عطية إبليس ثم يجعلا لله فيه شركا لتسميتهما إياه بعبد الله ، وإنما كانا يدينان لا شكّ بأن ولدهما من رزق الله وعطيته ، ثم سمياه عبد الحرث ، فجعلا لإبليس فيه شركا بالاسم ، فلو كانت قراءة من قرأ : «شِرْكا » صحيحة وجب ما قلنا أن يكون الكلام : جعلا لغيره فيه شركا ، وفي نزول وحي الله بقوله : جَعَلا لَهُ ما يوضح عن أن الصحيح من القراءة : شُرَكاءَ بضم الشين على ما بينت قبل .

فإن قال قائل : فإن آدم وحوّاء إنما سميا ابنهما عبد الحرث ، والحرث واحد ، وقوله : شُرَكاءَ جماعة ، فكيف وصفهما جلّ ثناؤه بأنهما جعلا له شركاء ، وإنما أشركا واحدا ؟ قيل : قد دللنا فيما مضى على أن العرب تخرج الخبر عن الواحد مخرج الخبر عن الجماعة إذا لم تقصد واحدا بعينه ولم تسمه ، كقوله : الّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ وإنما كان القائل ذلك واحدا ، فأخرج الخبر مخرج الخبر عن الجماعة ، إذ لم يقصد قصده ، وذلك مستفيض في كلام العرب وأشعارها .

وأما قوله : فَتَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ فتنزيه من الله تبارك وتعالى نفسه ، وتعظيم لها عما يقول فيه المبطلون ويدعون معه من الاَلهة والأوثان . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : فَتَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ قال : هو الإنكاف ، أنكف نفسه جلّ وعزّ ، يقول : عظم نفسه ، وأنكفته الملائكة وما سبح له .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، قال : سمعت صدقة يحدّث عن السديّ ، قال : هذا من الموصول والمفصول قوله : جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُمَا في شأن آدم وحوّاء ، ثم قال الله تبارك وتعالى : فَتَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ قال : عما يشرك المشركون ، ولم يعنهما .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (190)

{ فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما } أي جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما فسموه عبد العزى وعبد مناف على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، ويدل عليه قوله : { فتعالى الله عما يشركون } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَمَّآ ءَاتَىٰهُمَا صَٰلِحٗا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَىٰهُمَاۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (190)

يقال إن الآية المتقدمة هي في أدم وحواء وإن الضمير في قوله { آتاهما } عائد عليهما ، قال إن الشرك الذي جعلاه هو في الطاعة ، أي أطاعا إبليس في التسمية بعبد الحارث كما كانا في غير ذلك مطيعين لله ، وأسند الطبري في ذلك حديثاً من طريق سمرة بن جندب ، ويحتمل أن يكون الشرك في أن جعلا عبوديته بالاسم لغيره ، وقال الطبري والسدي في قوله تعالى : { فتعالى الله عما يشركون } إنه كلام منفصل ليس من الأول ، وإن آدم وحواء تم في قوله { فلما آتاهم } ، وإن هذا كلام يراد به مشركوا العرب .

قال القاضي أبو محمد : وهذا تحكم لا يساعده اللفظ ، ويتجه أن يقال تعالى الله عن ذلك اليسير المتوهم من الشرك في عبودية الاسم ، ويبقى الكلام في جهة أبوينا آدم وحواء عليهما السلام ، وجاء الضمير في { يشركون } ضمير جمع لأن إبليس مدبر معهما تسمية الولد عبد الحارث ، ومن قال إن الآية المتقدمة إنما الغرض منها تعديد النعمة في الأزواج وفي تسهيل النسل والولادة ثم ذكر سوء فعل المشركين بعقب ذلك ، قال في الآية الأخيرة إنها على ذلك الأسلوب وإن قوله { فتعالى الله عما يشركون } المراد بالضمير فيه المشركين ، والمعنى في هذه الآية فلما آتى الله هذين ا?نسانين صالحاً أي سليماً ذهبا به إلى الكفر وجعلا لله فيه شركاً وأخرجاه عن الفطرة ، ولفظة الشرك تقتضي نصيبين ، فالمعنى : وجعلا لله فيه ذا شرك لأن إبليس أو أصنام المشركين هي المجعولة ، والأصل أن الكل لله تعالى وبهذا حل الزجاج اعتراض من قال ينبغي أن يكون الكلام «جعلا لغيره شركاً » وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر «شِرْكاً » بكسر الشين وسكون الراء على المصدر ، وهي قراءة ابن عباس وأبي جعفر وشيبة وعكرمة ومجاهد وعاصم وأبان بن تغلب ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم «شركاء » على الجمع ، وهي بينة على هذا التأويل الأخير وقلقه على قول من يقول : إن الآية الأولى في آدم وحواء ، وفي مصحف أبيّ ابن كعب «فلما آتاهما صالحاً أشركا فيه » ، وذكر الطبري في قصص حواء وآدم وإبليس في التسمية بعيد الحارث وفي صورة مخاطبتهم أشياء طويلة لا يقتضي الاختصار ذكرها .