تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

ولما ذكر منته عليه ، أمره بشكرها فقال : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } خص هاتين العبادتين بالذكر ؛ لأنهما من أفضل العبادات وأجل القربات .

ولأن الصلاة تتضمن الخضوع [ في ] القلب والجوارح لله ، وتنقلها في أنواع العبودية ، وفي النحر تقرب إلى الله بأفضل ما عند العبد من النحائر ، وإخراج للمال الذي جبلت النفوس على محبته والشح به .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

( فصل لربك وانحر ) .

بعد توكيد هذا العطاء الكثير الفائض الكثرة ، على غير ما أرجف المرجفون وقال الكائدون ، وجه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى شكر النعمة بحقها الأول . حق الإخلاص والتجرد لله في العبادة وفي الاتجاه . . في الصلاة وفي ذبح النسك خالصا لله : ( فصل لربك وانحر ) . . غير ملق بالا إلى شرك المشركين ، وغير مشارك لهم في عبادتهم أو في ذكر غير اسم الله على ذبائحهم .

وفي تكرار الإشارة إلى ذكر اسم الله وحده على الذبائح ، وتحريم ما أهل به لغير الله ، وما لم يذكر اسم الله عليه . . ما يشي بعناية هذا الدين بتخليص الحياة كلها من عقابيل الشرك وآثاره . لا تخليص التصور والضمير وحدهما . فهو دين الوحدة بكل معنى من معانيها ، وكل ظل من ظلالها ؛ كما أنه دين التوحيد الخالص المجرد الواضح . ومن ثم فهو يتتبع الشرك في كل مظاهره ، وفي كل مكامنه ؛ ويطارده مطاردة عنيفة دقيقة سواء استكن في الضمير ، أم ظهر في العبادة ، أم تسرب إلى تقاليد الحياة فالحياة وحدة ما ظهر منها وما بطن ، والإسلام يأخذها كلا لا يتجزأ ، ويخلصها من شوائب الشرك جميعا ، ويتجه بها إلى الله خالصة واضحة ناصعة ، كما نرى في مسألة الذبائح وفي غيرها من شعائر العبادة أو تقاليد الحياة . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

وقوله : { فَصَلّ لِرَبّكَ وانْحَرْ } اختلف أهل التأويل في الصلاة التي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصليها بهذا الخطاب ، ومعنى قوله : { وانْحَرْ } فقال بعضهم : حضّه على المواظبة على الصلاة المكتوبة ، وعلى الحفظ عليها في أوقاتها بقوله : { فَصَلّ لِرَبّكَ وانْحَرْ } . ذكر من قال ذلك :

حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطّفاويّ ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة ، قال : ثني يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد ، عن عاصم الجحدريّ ، عن عقبة بن ظهير ، عن عليّ رضي الله عنه ، في قوله : { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : وضع اليمين على الشمال في الصلاة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا حماد بن سَلَمة ، عن عاصم الجَحْدَريّ ، عن عقبة بن ظبيان ، عن أبيه ، عن عليّ رضي الله عنه { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : وضع اليد على اليد في الصلاة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم الجَحْدَريّ ، عن عُقْبة بن ظَهِير ، عن أبيه ، عن عليّ رضي الله عنه { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : وضع يده اليمنى على وسط ساعده اليسرى ، ثم وضعهما على صدره .

قال : ثنا مهران ، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم الأحول ، عن الشعبيّ ، مثله .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عاصم الجَحْدريّ ، عن عقبة بن ظهير ، عن عليّ رضي الله عنه : { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : وضع اليمين على الشمال في الصلاة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، يقال : حدثنا عوف ، عن أبي القَمُوص ، في قوله : { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : وضع اليد على اليد في الصلاة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو صالح الخُراسانيّ ، قال : حدثنا حماد ، عن عاصم الجَحْدريّ ، عن أبيه ، عن عقبة بن ظبيان ، أن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال في قول الله : { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : وضع يده اليمنى على وسط ساعده الأيسر ، ثم وضعهما على صدره .

وقال آخرون : بل عُنِي بقوله : { فَصَلّ لِرَبّكَ } : الصلاة المكتوبة ، وبقوله { وَانْحَرْ } أن يرفع يديه إلى النحر ، عند افتتاح الصلاة والدخول فيها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } الصلاة ، { وانحر } : يرفع يديه أوّل ما يُكبَر في الافتتاح .

وقال آخرون : عُنِي بقوله : { فَصَلّ لِرَبّكَ } المكتوبة ، وبقوله { وَانْحَرْ } : نحر البُدْن . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام بن سلم وهارون بن المُغيرة ، عن عنبسة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : الصلاة المكتوبة ، ونحر البُدْن .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبير وحجّاج ، أنهما قالا في قوله : { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : صلاة الغداة بجَمْع ، ونحر البُدن بمِنَى .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن قطر ، عن عطاء : { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : صلاة الفجر ، وانحر البُدْن .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : الصلاة المكتوبة ، والنحر : النّسُك والذبح يوم الأضحى .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، في قوله : { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : صلاة الفجر .

وقال آخرون : بل عُنِي بذلك : صلّ يوم النحر صلاة العيد ، وانحر نُسُكَك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون بن المُغيرة ، عن عنبسة ، عن جابر ، عن أنس بن مالك ، قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم ينحَر قبل أن يصلي ، فأُمر أن يصليَ ثم ينحر .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عكرِمة : فصلّ الصلاة ، وانحر النّسُك .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن ثابت بن أبي صفية ، عن أبي جعفر { فَصَلّ لِرَبّكَ } قال : الصلاة . وقال عكرِمة : الصلاة ونحر النّسك .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : إذا صليت يوم الأضحى فانحر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا قطر ، قال : سألت عطاء ، عن قوله : { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : تصلي وتنحر .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : اذبح .

قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا أبان بن خالد ، قال : سمعت الحسن يقول { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : الذبح .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : نحر البُدن ، والصلاة يوم النحر .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : صلاة الأضحى ، والنحر : نحر البُدن .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : مناحر البُدن بِمِنَى .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عكرِمة { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : نحر النسك .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } يقول : اذبح يوم النحر .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : نحر البُدْن .

وقال آخرون : قيل ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم ؛ لأن قوما كانوا يصلون لغير الله ، وينحرون لغيره ، فقيل له : اجعل صلاتَك ونحرَك لله ؛ إذ كان من يكفر بالله يجعله لغيره . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني أبو صخر ، عن محمد بن كعب القرظي ، أنه كان يقول في هذه الاَية : { إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } يقول : إن ناسا كانوا يصلون لغير الله ، وينحرون لغير الله ، فإذا أعطيناك الكوثر يا محمد ، فلا تكن صلاتك ونحرك إلاّ لي .

وقال آخرون : بل أنزلت هذه الاَية يوم الحُدَيْبية ، حين حُصِرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وصُدّوا عن البيت ، فأمره الله أن يصلي ، وينحر البُدْن ، وينصرف ، ففعل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، قال : ثني أبو معاوية البَجَلِيّ ، عن سعيد بن جُبير أنه قال : كانت هذه الآية ، يعني قوله : { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } يوم الحديبية ، أتاه جبريل عليه السلام ، فقال : انحر وارجع ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخطب خطبة الفطر والنحر ، ثم ركع ركعتين ، ثم انصرف إلى البُدن فنحرها ، فذلك حين يقول : { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فصلّ وادع ربّك وَسَلْه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ثابت ، عن الضحاك { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } قال : صلّ لربك وسَلْ .

وكان بعض أهل العربية يتأوّل قوله : { وَانْحَرْ } واستقبل القبلة بنحرك . وذُكر أنه سمع بعض العرب يقول : منازلهم تتناحَر : أي هذا بنحر هذا : أي قبالته . وذُكر أن بعض بني أسد أنشده :

أبا حَكَمٍ هَلْ أنْتَ عَمّ مُجَالِدٍ *** وَسَيّدُ أهْلِ الأَبْطَحِ المُتَناحِرِ ؟

أي ينحر بعضه بعضا .

وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب : قول من قال : معنى ذلك : فاجعل صلاتَك كلّها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة ، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان ، شكرا له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كُفْء له ، وخصك به ، من إعطائه إياك الكوثر .

وإنما قلت : ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك ؛ لأن الله جلّ ثناؤه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بما أكرمه به من عطيته وكرامته ، وإنعامه عليه بالكوثر ، ثم أتبع ذلك قوله : { فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } ، فكان معلوما بذلك أنه خصه بالصلاة له ، والنحر على الشكر له ، على ما أعلمه من النعمة التي أنعمها عليه ، بإعطائه إياه الكوثَر ، فلم يكن لخصوص بعض الصلاة بذلك دون بعض ، وبعض النحر دون بعض ، وجه ؛ إذ كان حثا على الشكر على النّعم .

فتأويل الكلام إذن : إنا أعطيناك يا محمد الكوثر ، إنعاما منا عليك به ، وتكرمة منا لك ، فأخلص لربك العبادة ، وأفرد له صلاتك ونُسُكَك ، خلافا لما يفعله من كفر به ، وعبد غيره ، ونحر للأوثان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ} (2)

{ فصل لربك } فدم على الصلاة خالصا لوجه الله تعالى خلاف الساهي عنها المرائي فيها ، شكرا لإنعامه ، فإن الصلاة جامعة لأقسام الشكر ، وانحر البدن التي هي خيار أموال العرب ، وتصدق على المحاويج خلافا لمن يدعهم ويمنع عنهم الماعون ، فالسورة كالمقابلة للسورة المتقدمة ، وقد فسرت الصلاة بصلاة العيد ، والنحر بالتضحية .