تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (26)

يذكر تعالى نعمته وإحسانه على أبينا آدم عليه السلام ، وما جرى من عدوه إبليس ، وفي ضمن ذلك التحذير لنا من شره وفتنته فقال تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ } أي آدم عليه السلام { مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ } أي : من طين قد يبس بعد ما خمر حتى صار له صلصلة وصوت ، كصوت الفخار ، والحمأ المسنون : الطين المتغير لونه وريحه من طول مكثه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (26)

26

فلنمض إلى مشاهد القصة في هذا المجال :

( ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون . والجان خلقناه من قبل من نار السموم )

وفي هذا الافتتاح يقرر اختلاف الطبيعتين بين الصلصال - وهو الطين اليابس الذي يصلصل عند نقره ، المتخذ من الطين الرطب الآسن - والنار الموسومة بأنها شعواء سامة . . نار السموم . . وفيما بعد سنعلم أن طبيعة الإنسان قد دخل فيها عنصر جديد هو النفخة من روح الله ، أما طبيعة الشيطان فبقيت من نار السموم .

( وإذ قال ربك للملائكة : إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملائكة كلهم أجمعون ، إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين . قال : يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين ? قال : لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون . قال : فأخرج منها فإنك رجيم ، وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين )

/خ48

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (26)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مّنْ حَمَإٍ مّسْنُونٍ } .

يقول تعالى ذكره : ولقد خلقنا آدم وهو الإنسان من صلصال . واختلف أهل التأويل في معنى الصلصال فقال بعضهم : هو الطين اليابس لم تصبه نار ، فإذا نقرته صَلّ فسمعت له صلصلة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن مهديّ ، قالا : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : خلق آدم من صلصال من حمأ ومن طين لازب . وأما اللازب : فالجيد ، وأما الحَمَأ : فالحمأة ، وأما الصّلصال : فالتراب المرقّق . وإنما سمي إنسانا لأنه عهد إليه فنسي .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ قال : والصلصال : التراب اليابس الذي يسمع له صلصلة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حمأٍ مَسْنُونٍ قال : الصلصال : الطين اليابس يسمع له صلصلة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن صالح ، عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : مِنْ صَلْصَالٍ قال : الصلصال : الماء يقع على الأرض الطيبة ثم يحسِرُ عنها ، فتشقق ، ثم تصير مثل الخَزَف الرقاق .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : خُلق الإنسان من ثلاثة : من طين لازب ، وصلصال ، وحمأ مسنون . والطين اللازب : اللازق الجيد ، والصلصال : المرقق الذي يصنع منه الفخار ، والمسنون : الطين فيه الحَمْأة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثنا أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : هو التراب اليابس الذي يُبَلّ بعد يُبسه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن مسلم ، عن مجاهد ، قال : الصلصال : الذي يصلصل ، مثل الخَزَف من الطين الطيب .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك ، يقول : الصلصال : طين صُلْب يخالطه الكثيب .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : مِنْ صَلْصَالٍ قال : التراب اليابس .

وقال آخرون : الصلصال : المُنْتِن . وكأنهم وجّهُوا ذلك إلى أنه من قولهم : صَلّ اللحم وأصلّ : إذا أنتن ، يقال ذلك باللغتين كلتيهما : يَفْعَل وأَفْعَل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح وحدثني الحارث قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثنا الحسن ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : مِنْ صَلْصَالٍ الصلصال : المنتن .

والذي هو أولى بتأويل الاَية أن يكون الصلصال في هذا الموضع الذي له صوت من الصلصلة وذلك أن الله تعالى وصفه في موضع آخر فقال : خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ فشبهه تعالى ذكره بأنه كان كالفخّار في يُبسه . ولو كان معناه في ذلك المُنتِن لم يشبه بالفخار ، لأن الفخار ليس بمنتن فيشبّه به في النتن غيره .

وأما قوله : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ فإن الحمأ : جمع حمأة ، وهو الطين المتغَيّر إلى السواد . وقوله : مَسْنُونٍ يعني : المتغير .

واختلف أهل العلم بكلام العرب في معنى قوله : مَسْنُونٍ فكان بعض نحوييّ البصريين يقول : عُني به : حمأ مصوّر تامّ . وذُكر عن العرب أنهم قالوا : سُنّ على مثال سُنّة الوجه : أي صورته . قال : وكأن سُنة الشيء من ذلك : أي مثالَه الذي وُضع عليه . قال : وليس من الاَسن المتغير ، لأنه من سَنَن مضاعف .

وقال آخر منهم : هو الحَمَأ المصبوب . قال : والمصبوب : المسنون ، وهو من قولهم : سَنَنْت الماء على الوجه وغيره إذا صببته .

وكان بعض أهل الكوفة يقول : هو المتغير ، قال : كأنه أخذ من سَنَنْت الحَجَر على الحجر ، وذلك أن يحكّ أحدهما بالاَخر ، يقال منه : سننته أَسْنّه سَنّا فهو مسنون . قال : ويقال للذي يخرج من بينهما : سَنِين ، ويكون ذلك مُنْتنا . وقال : منه سُمّيَ المِسَنّ لأن الحديد يُسَنّ عليه .

وأما أهل التأويل فإنهم قالوا في ذلك نحو ما قلنا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عبيد الله بن يوسف الجبيري ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، قال : حدثنا مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : الحمأ : المنتنة .

حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : الذي قد أنتن .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك عن ابن عباس : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : منتن .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : هو التراب المبتلّ المنتنُ ، فجعل صَلصالاً كالفَخار .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء وحدثنا الحسن ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا شبل جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : منتن .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ والحمأ المسنون : الذي قد تغير وأنتن .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : قد أنتن ، قال : منتنة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : من طين لازب ، وهو اللازق من الكثيب وهو الرمل .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ قال : الحمأ المنتن .

وقال آخرون منهم في ذلك : هو الطين الرّطْب . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ يقول : من طين رَطب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (26)

{ ولقد خلقنا الإنسان من صلصال } من طين يابس يصلصل أي يصوت إذا نقر . وقيل هو من صلصل إذا أنتن تضعيف صل . { من حمأٍ } طين تغير واسود من طول مجاورة الماء ، وهو صفة صلصال أي كائن { من حمأ } . { مسنون } مصور من سنه الوجه ، أو منصوب لييبس ويتصور كالجواهر المذابة تصب في القوالب ، من السن وهو الصب كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف ، فيبس حتى إذا نقر صلصل ، ثم غير ذلك طورا بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه ، أو منتن من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به ، فإن ما يسيل بينهما يكون منتنا ويسمى السنين .