تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓـٔٗا مَّرِيٓـٔٗا} (4)

ولما كان كثير من الناس يظلمون النساء ويهضمونهن حقوقهن ، خصوصا الصداق الذي يكون شيئا كثيرًا ، ودفعة واحدة ، يشق دفعه للزوجة ، أمرهم وحثهم على إيتاء النساء { صَدُقَاتِهِنَّ } أي : مهورهن { نِحْلَةً } أي : عن طيب نفس ، وحال طمأنينة ، فلا تمطلوهن أو تبخسوا منه شيئا . وفيه : أن المهر يدفع إلى المرأة إذا كانت مكلفة ، وأنها تملكه بالعقد ، لأنه أضافه إليها ، والإضافة تقتضي التمليك .

{ فَإِنْ طِبْنَ لَكُم عَنْ شَيْءٍ مِّنْهُ } أي : من الصداق { نَفْسًا } بأن سمحن لكم عن رضا واختيار بإسقاط شيء منه ، أو تأخيره أو المعاوضة عنه . { فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } أي : لا حرج عليكم في ذلك ولا تبعة .

وفيه دليل على أن للمرأة التصرف في مالها -ولو بالتبرع- إذا كانت رشيدة ، فإن لم تكن كذلك فليس لعطيتها حكم ، وأنه ليس لوليها من الصداق شيء ، غير ما طابت به .

وفي قوله : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء } دليل على أن نكاح الخبيثة غير مأمور به ، بل منهي عنه كالمشركة ، وكالفاجرة ، كما قال تعالى : { وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } وقال : { وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓـٔٗا مَّرِيٓـٔٗا} (4)

1

ثم يستطرد السياق في تقرير حقوق النساء - وقد أفرد لهن صدر هذه السورة وسماها باسمهن - قبل أن يستكمل الكلام عن رعاية اليتامى التي بدأ فيها :

( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة . فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ، فكلوه هنيئا مريئا )

وهذه الآية تنشىء للمرأة حقا صريحا ، وحقا شخصيا ، في صداقها . وتنبى ء بما كان واقعا في المجتمع الجاهلي من هضم هذا الحق في صور شتى . واحدة منها كانت في قبض الولي لهذا الصداق وأخذه لنفسه ؛ وكأنما هي صفقة بيع هو صاحبها ! وواحدة منها كانت في زواج الشغار . وهو أن يزوج الولي المرأة التي في ولايته ، في مقابل أن يزوجه من يأخذها امرأة هي في ولاية هذا الآخر . واحدة بواحدة . صفقة بين الوليين لا حظ فيها للمرأتين . كما تبدل بهيمة ببهيمة ! فحرم الإسلام هذا الزواج كلية ؛ وجعل الزواج التقاء نفسين عن رغبة واختيار ، والصداق حقا للمرأة تأخذه لنفسها ولا يأخذه الولي ! وحتم تسمية هذا الصداق وتحديده ، لتقبضه المرأة فريضة لها ، وواجبا لا تخلف فيه . وأوجب أن يؤديه الزوج " نحلة " - أي هبة خالصة لصاحبتها - وأن يؤديه عن طيب نفس ، وارتياح خاطر . كما يؤدي الهبة والمنحة . فإذا طابت نفس الزوجة بعد ذلك لزوجها عن شيء من صداقها - كله أو بعضه - فهي صاحبة الشأن في هذا ؛ تفعله عن طيب نفس ، وراحة خاطر ؛ والزوج في حل من أخذ ما طابت نفس الزوجة عنه ، وأكله حلالا طيبا هنيئا مريئا . فالعلاقات بين الزوجين ينبغي أن تقوم على الرضى الكامل ، والاختيار المطلق ، والسماحة النابعة من القلب ، والود الذي لا يبقى معه حرج من هنا أو من هناك .

وبهذا الإجراء استبعد الإسلام ذلك الراسب من رواسب الجاهلية في شأن المرأة وصداقها ، وحقها في نفسها وفي مالها ، وكرامتها ومنزلتها . وفي الوقت ذاته لم يجفف ما بين المرأة ورجلها من صلات ، ولم يقمها على مجرد الصرامة في القانون ؛ بل ترك للسماحة والتراضي والمودة أن تأخذ مجراها في هذه الحياة المشتركة ، وأن تبلل بنداوتها جو هذه الحياة .

فإذا انتهى من هذا الاستطراد - الذي دعا إليه الحديث عن الزواج من اليتيمات ومن غيرهن من النساء - عاد إلى أموال اليتامى ؛ يفصل في أحكام ردها إليهم ، بعد أن قرر في الآية الثانية من السورة مبدأ الرد على وجه الإجمال .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓـٔٗا مَّرِيٓـٔٗا} (4)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَآتُواْ النّسَآءَ صَدُقَاتِهِنّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مّرِيئاً } .

قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : وأعطوا النساء مهورهنّ عطية واجبة ، وفريضة لازمة¹ يقال منه : نحل فلان فلانا كذا ، فهو يَنْحَلُه نِحْلَةً ونُحْلاً . كما :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نحْلَةً } يقول : فريضة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : أخبرني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نحْلَةً } يعني بالنحلة : المهر .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نحْلَةً } قال : فريضة مسماة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : { وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نحْلَةً } قال : النحلة في كلام العرب : الواجب ، يقول : لا ينكحها إلا بشيء واجب لها صدقة ، يسميها لها واجبة ، وليس ينبغي لأحد أن ينكح امرأة بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا بصداق واجب ، ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذبا بغير حقّ .

وقال آخرون : بل عنى بقوله : { وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نحْلَةً } أولياء النساء ، وذلك أنهم كانوا يأخذون صدقاتهن . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن سيار ، عن أبي صالح ، قال : كان الرجل إذا زوّج أيمة أخذ صداقها دونها ، فنهاهم الله تبارك وتعالى عن ذلك ، وَنزلت : { وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نِحْلَةً } .

وقال آخرون : بل كان ذلك من أولياء النساء ، بأن يعطي الرجل أخته الرجل ، على أن يعطيه الاَخر أخته ، على أن لا كثير مهر بينهما ، فنهوا عن ذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : زعم حضرميّ أن أناسا كانوا يعطي هذا الرجل أخته ويأخذ أخت الرجل ، ولا يأخذون كثير مهر ، فقال الله تبارك وتعالى : { وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نِحْلَةً } .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلات التي ذكرناها في ذلك التأويل الذي قلناه ، وذلك أن الله تبارك وتعالى ابتدأ ذكر هذه الاَية بخطاب الناكحين النساء ، ونهاهم عن ظلمهنّ والجور عليهنّ ، وعرفهم سبيل النجاة من ظلمهنّ¹ ولا دلالة في الاَية على أن الخطاب قد صرف عنهم إلى غيرهم . فإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الذين قيل لهم : { فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُباعَ } هم الذين قيل لهم : { وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ } وأن معناه : وآتوا من نكحتم من النساء صدقاتهنّ نحلة ، لأنه قال في الأوّل : { فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ } ولم يقل : فانكحوا ، فيكون قوله : { وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ } مصروفا إلى أنه معنيّ به أولياء النساء دون أزواجهنّ ، وهذا أمر من الله أزواج النساء المدخول بهنّ والمسمى لهنّ الصداق أن يؤتوهنّ صدقاتهنّ دون المطلقات قبل الدخول ممن لم يسمّ لها في عقد النكاح صداق .

القول في تأويل قوله تعالى : { فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا فَكُلُوهُ هَنِيئا مَرِيئا } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : فإن وهب لكم أيها الرجال نساؤكم شيئا من صدقاتهنّ ، طيبة بذلك أنفسهنّ ، فكلوه هنيئا مريئا . كما :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا عمارة ، عن عكرمة : { فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا } قال : المهر .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني حرمي بن عمارة ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمارة ، عن عكرمة ، عن عمارة في قول الله تبارك وتعالى : { فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا } قال : الصدقات .

حدثني المثنى ، قال : ثني الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : { فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا } قال : الأزواج .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن عبيدة ، قال : قال لي إبراهيم : أكلتَ من الهنيء المريء ! قلت : ما ذاك ؟ قال : امرأتك أعطتك من صداقها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : دخل رجل على علقمة وهو يأكل من طعام بين يديه ، من شيء أعطته امرأته من صداقها أو غيره ، فقال له علقمة : ادْنُ ، فكل من الهنيء المريء !

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا فَكُلُوهُ هَنِيئا مَرِيئا } يقول : إذا كان غير إضرار ولا خديعة ، فهو هنيء مريء كما قال الله جلّ ثناؤه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا } قال : الصداق ، { فَكُلُوهُ هَنِيئا مَرِيئا } .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : { فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا } .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، قال : زعم حضرميّ أن أناسا كانوا يتأثمون أن يرجع أحدهم في شيء مما ساق إلى امرأته ، فقال الله تبارك وتعالى : { فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا فَكُلُوهُ هَنِيئا مَرِيئا } .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا فَكُلُوهُ هَنِيئا مَرِيئا } يقول : ما طابت به نفسا في غير كره أو هوان ، فقد أحلّ الله لك ذلك أن تأكله هنيئا مريئا .

وقال آخرون : بل عُني بهذا القول : أولياء النساء ، فقيل لهم : إن طابت أنفس النساء اللواتي إليكم عصمة نكاحهنّ بصدقاتهنّ نفسا ، فكلوه هنيئا مريئا . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا سيار ، عن أبي صالح في قوله : { فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا } قال : كان الرجل إذا زوّج ابنته عمد إلى صداقها فأخذه ، قال : فنزلت هذه الاَية في الأولياء : { فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا فَكُلُوهُ هَنِيئا مَرِيئا } .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين في ذلك بالصواب ، التأويل الذي قلنا وأن الاَية مخاطب بها الأزواج¹ لأن افتتاح الاَية مبتدأ بذكرهم ، وقوله : { فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا } في سياقه .

وإن قال قائل : فكيف قيل : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ، وقد علمت أن معنى الكلام : فإن طابت لكم أنفسهن بشيء ؟ وكيف وحدت النفس والمعنى للجميع ، وذلك أنه تعالى ذكره قال : { وآتُوا النّساءَ صَدُقاتِهِنّ نحْلَةً } ؟ قيل : أما نقل فعل النفوس إلى أصحاب النفوس ، فإن ذلك المستفيض في كلام العرب من كلامها المعروف : ضِقْتُ بهذا الأمر ذراعا وذرعا ، وَقَرِرْت بهذا الأمر عينا ، والمعنى : ضاق به ذرعي ، وقرّت به عيني ، كما قال الشاعر :

إذا التّيازُ ذُو العَضَلاتِ قُلْنا *** إليكَ إليكَ ضَاقَ بِها ذِرَاعا

فنقل صفة الذراع إلى ربّ الذراع ، ثم أخرج الذراع مفسرة لموقع الفعل . وكذلك وحد النفس في قوله : { فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا } إذ كانت النفس مفسرة لموقع الخبر . وأما توحيد النفس من النفوس ، لأنه إنما أراد الهوى ، والهوى يكون جماعة ، كما قال الشاعر :

بِها جِيَفُ الحَسْرَى فَأمّا عِظامُها *** فبِيضٌ وأمّا جلدُها فَصَلِيبُ

وكما قال الاَخر :

*** فِي حَلْقِكمْ عَظْمٌ وقد شجِينَا ***

وقال بعض نحويي الكوفة : جائز في النفس في هذا الموضع الجمع والتوحيد¹ فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا وأنفسا ، وضقت به ذراعا وذرعا وأذرعا ، لأنه منسوب إليك ، وإلى من تخبر عنه ، فاكتفى بالواحد عن الجمع لذلك ، ولم يذهب الوهم إلى أنه ليس بمعنى جمع لأن قبله جمعا .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن النفس وقع موقع الأسماء التي تأتي بلفظ الواحد مؤدّية معناه إذا ذكر بلفظ الواحد ، وأنه بمعنى الجمع عن الجمع . وأما قوله : { هَنِيئا } فإنه مأخوذ من هنأت البعير بالقطران : إذا جرب فعولج به ، كما قال الشاعر :

مُتَبَذّلاً تَبْدُو مَحَاسِنُهُ *** يَضَعُ الهِنَاءَ مَوَاضِعَ النّقْبِ

فكان معنى قوله : { فَكُلُوهُ هَنِيئا مَرِيئا } : فكلوه دواء شافيا ، يقال منه : هنأني الطعام ومرأني : أي صار لي دواء وعلاجا شافيا ، وهنئني ومرئني بالكسر ، وهي قليلة ، والذين يقولون هذا القول يقولون يهنأني ويمرأني ، والذين يقولون هنأني ، يقولون : يهنئني ويمرئني ، فإذا أفردوا ، قالوا : قد أمرأني هذا الطعام إمراء ، ويقال : هنأت القوم : إذا عُلتهم ، سمع من العرب من يقول : إنما سميت هانئا لتهنأ ، بمعنى : لتعول وتكفى .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓـٔٗا مَّرِيٓـٔٗا} (4)

{ وآتوا النساء صدقاتهن } مهورهن . وقرئ بفتح الصاد وسكون الدال على التخفيف ، وبضم الصاد وسكون الدال ، جمع صدقة كغرفة ، وبضمهما على التوحيد وهو تثقيل صدقة كظلمة في ظلمة . { نحلة } أي عطية يقال نحلة كذا نحلة ونحلا إذا أعطاه إياه عن طيب نفس بلا توقع عوض ومن فسرها بالفريضة ونحوها نظر إلى مفهوم الآية لا إلى موضوع اللفظ ، ونصبها على المصدر لأنها في معنى الإيتاء أو الحال من الواو ، أو الصدقات أي آتوهن صدقاتهن ناحلين أو منحولة . وقيل المعنى نحلة من الله وتفضلا منه عليهن فتكون حالا من الصدقات . وقيل ديانة من قولهم انتحل فلان كذا إذا دان به على أنه مفعول له ، أو حال من الصدقات أي دينا من الله تعالى شرعه ، والخطاب للأزواج ، وقيل للأولياء لأنهم كانوا يأخذون مهور مولياتهم . { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا } للصداق حملا على المعنى أو جرى مجرى اسم الإشارة كقول رؤبة :

كأنه في الجلد *** توليع البهق

إذ سئل فقال : أردت كأن ذاك . وقيل للإيتاء ، ونفسا تمييز لبيان الجنس ولذلك وحد ، والمعنى فإن وهبن لكم شيئا من الصداق عن طيب نفس ، لكن جعل العمدة طيب النفس للمبالغة وعداه بعن لتضمن معنى التجافي والتجاوز ، وقال منه بعثا لهن على تقليل الموهوب { فكلوه هنيئا مريئا } فخذوه وأنفقوه حلالا بلا تبعة . والهنيء والمريء صفتان من هنأ الطعام ومرأ إذا ساغ من غير غصص ، أقيمتا مقام مصدريهما أو وصف بهما المصدر أو جعلتا حالا من الضمير وقيل الهنيء ما يلذه الإنسان ، والمريء ما تحمد عاقبته .