الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓـٔٗا مَّرِيٓـٔٗا} (4)

قوله : ( وَءَاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) الآية [ 4 ] .

( نِحْلَةً ) مصدر لأن قوله ( وَءَاتُوا النِّسَاءَ ) بمنزلة انحلوهنّ ، فعمل في نحلة ، وقيل : هي مصدر في موضع الحال( {[11577]} ) .

قوله : ( هَنِيئاً مَّرِيئاً ) حال من الهاء في ( فَكُلُوهُ )( {[11578]} ) يقال : قد هناني ومراني ، فإذا أفردت( {[11579]} ) قلت : أمراني( {[11580]} ) ومعناه( {[11581]} ) : فكلوه دواءً شافياً . يقال قد هناني الطعام( {[11582]} ) ، ومراني إذا صار لي دواء ، وعلاجاً شافياً( {[11583]} ) .

ومعنى الآية أن الله تعالى أمر المؤمنين أن يعطوا النساء مهورهنّ عطية واجبة .

قال قتادة : ( صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً )( {[11584]} ) فريضة( {[11585]} ) . وقيل : ديانة( {[11586]} ) .

وقيل : المعنى : " نحلة " ، من الله عز وجل للنساء دون الرجال إذ جعل على الرجل الصداق ، ولم يجعل على المرأة شيئاً فينحي لها ذلك( {[11587]} ) . وقيل : نحلة عن طيب نفس( {[11588]} ) .

وواحد الصدقات : صدقة ، والصداق يفتح ويكسر عند يعقوب( {[11589]} ) ، وقال المازني( {[11590]} ) : يفتح ولا يكسر( {[11591]} ) .

وقال ابن زيد في معنى الآية : إنها أمر من الله ألاّ تنكح امرأة إلاّ بشيء واجب( {[11592]} ) ، والمخاطب بهذا الأزواج ، قيل لهم : أعطوا من نكحتم صداقها [ ولا ]( {[11593]} ) تنكحوا بغير صداق .

وقيل( {[11594]} ) : إن المخاطب بهذا الأولياء لأنهم كانوا لا يعطونهنّ من صداقهن شيئاً يأخذه الولي نفسه ، فنهى الله عز وجل عن ذلك . وقيل : بل المخاطب الأولياء أيضاً ، لأنهم كانوا يعطي الرجل منهم أخته للآخر على أن يعطيه الآخر أخته ، وهذا نكاح الشغار الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، وعنه نهى الله عز وجل في هذه الآية( {[11595]} ) .

قوله : ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً ) أي : من الصداق إن تركنَ ذلك من غير مضارة منكم لهن . ( فَكُلُوهُ ) فهو مخاطبة للأزواج ، وقيل( {[11596]} ) : هو مخاطبة للأولياء إن وهبن من هنّ في حجورهم( {[11597]} ) شيئاً من الصداق فهو( {[11598]} ) حلال لهم وأن تكون الآية خوطب بها الأزواج أولى وعليه أكثر الناس( {[11599]} ) .

والهاء في ( مِّنْهُ ) تعود على المال ، لأن المعنى : وآتوا النساء هذا المال الذي اسمه : صدقات فرجعت الهاء على المعنى الذي دلّ عليه الكلام( {[11600]} ) .

وقيل : تعود على الإيتاء . وقيل : على الصداق .

وقال نافع : ( صَدُقَاتِهِنَّ ) ، تمام . وهذا يدل على أن نحلة لا يعمل فيه ما قبله وأن المعنى أنحلهن الله عز وجل نحلة ، أضمر الفعل . والأحسن في التمام أن تقف على " مريئاً " ( {[11601]} ) .


[11577]:- انظر: مشكل الإعراب 1/188 والإملاء 1/197.
[11578]:- انظر: إعراب النحاس 1/395.
[11579]:- (ج): أفرت.
[11580]:- (ج): أمرني.
[11581]:- (ج): ومعنا.
[11582]:- (أ): الطعيام.
[11583]:- انظر: جامع البيان 4/244 ومعاني الزجاج 2/12 و135.
[11584]:- (د) و(هـ): أي فريضة.
[11585]:- انظر: جامع البيان 4/241.
[11586]:- فتكون نحلة مأخوذة من النحل بكسر النون، يقال فلا ينتحل دين كذا، وهذا يحسن مع كون الخطاب للأولياء. انظر: معاني الزجاج 2/12 والمحرر 4/19 والجامع للأحكام 5/24.
[11587]:- انظر: معاني الزجاج 2/12.
[11588]:- انظر: المصدر السابق والجامع للأحكام 5/24.
[11589]:- انظر: إعراب النحاس 1/394.
[11590]:- هو أبو عثمان المازني بكر بن محمد بن حبيب توفي 249 هـ، أحد الأئمة في النحو والقراءة، انظر: إنباه الرواة 1/246.
[11591]:- في "صدقاتهنّ" أربع قراءات: (أ) صَدُقاتهنّ بفتح الصاد وضمّ الدال هي قراءة السبعة والجمهور. (ب) صُدُقاتهن بضم الصاد والدال وهي قراءة تنسب لموسى بن الزبير وابن أبي عبلة وابن غزوان. (ج) صُدْقاتهن بضم الصاد وسكون الدال وهي قراءة تنسب لقتادة وهي موافقة للغة بني تميم. (د) صُدِقاتهن بضم الصاد وكسر الدال وهي قراءة تنسب للمازني، انظر: معاني الأخفش 1/432، وإعراب النحاس 1/394 ومختصر الشواذ 24 والمحرر 4/18، والبحر 3/166.
[11592]:- انظر: جامع البيان 4/241.
[11593]:- ساقط من (أ).
[11594]:- يعزى لأبي صالح في جامع البيان 4/241.
[11595]:- الشغار: بكسر الشين نكاح يعرف في الجاهلية، كان الرجل يزوّج أخته للآخر على أن يزوّجه هو أخته كذلك، بدون مهر بينهما وقد حرمه الإسلام، وأما حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فهو قوله: "لا شغار في الإسلام". تخريجه الموطأ في كتاب النكاح 4/38، والبخاري 6/128، ومسلم 4/139 والنسائي 6/110 وأبو داود 2/227 والأم 8/286 والمدونة الكبرى 2/139.
[11596]:- يعزى لأبي صالح في جامع البيان 4/243.
[11597]:- (أ): في حجورهن وهو خطأ.
[11598]:- (د): وهو.
[11599]:- هو اختيار الطبري في جامع البيان 4/243، والنحاس في إعرابه 1/394 ويرى ابن عطية أن الخطاب في الآية للأزواج والأولياء معاً. انظر: المحرر 4/19.
[11600]:- انظر: معاني الزجاج 2/13، والمحرر 4/19 والبحر 3/167.
[11601]:- انظر: القطع 245.