فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓـٔٗا مَّرِيٓـٔٗا} (4)

{ وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ( 4 ) }

{ وآتوا } الخطاب للأزواج وقيل الأولياء { النساء صدقاتهن } بضم الدال جمع صدقة كسمرة قال الأخفش وبنو تميم يقولون صدقة والجمع صدقات وإن شئت فتحت وإن شئت أسكنت .

{ نحلة } بكسر النون وضمها لغتان ، وأصلها العطاء نحلت فلانا أعطيته ، وعلى هذا فهي منصوبة على المصدرية لأن الإيتاء بمعنى الإعطاء وقيل النحلة التدين فمعنى نحلة تدينا قاله الزجاج وعلى هذا فهي منصوبة على المفعول له ، وقال قتادة الفريضة ، وعل هذا فهي منصوبة على الحال وقيل طيبة النفس ، قال أبو عبيد : ولا تكون النحلة إلا عن طيبة نفس ، وقال ابن عباس : المهر ، قالت عائشة : واجبة ، وقال ابن جريج : فريضة مسماة وعن قتادة مثله .

ومعنى الآية على كون الخطاب للأزواج أعطوا النساء اللاتي نكحتموهن مهورهن التي لهن عليكم عطية أو ديانة منكم أو فريضة عليكم أو طيبة من أنفسكم .

ومعناها على كون الخطاب للأولياء أعطوا النساء من قراباتكم التي قبضتم مهورهن من أزواجهن تلك المهور ، وقد كان الولي يأخذ مهر قريبته في الجاهلية ولا يعطيها شيئا . حكى ذلك عن أبي صالح والكلبي . والأول أولى وهو الأشبه بظاهر الآية وعليه الأكثر لأن الله تعالى خاطب الناكحين فيما قبله كما تقدم ، فهذا أيضا خطاب لهم .

وفي الآية دليل على أن الصداق واجب على الأزواج للنساء ، وهو مجمع عليه كما قال القرطبي ، قال : وأجمع العلماء على أنه لا حد لكثيره واختلفوا في قليه .

{ فإن طبن لكم } يعني النساء المتزوجات للأزواج { عن شيء منه } قال ابن عباس : إذا كان من غير ضرار ولا خديعة فهو هنيء مريء كما قال الله تعالى والضمير في { منه } راجع إلى الصدقات ، أو إلى المذكور وهو الصداقات ، أو هو بمنزلة اسم الإشارة كأنه قال من ذلك .

والمعنى فإنه طبن النساء لكم أيها الأزواج أو الأولياء عن شيء كائن من المهر ، و { من } فيها وجهان أحدهما أنها للتبعيض ولذلك لا يجوز لها أن تهبه كل الصداق ، وإليه ذهب الليث ( والثاني ) أنها للبيان ، ولذلك يجوز أن تهبه المهر كله ، وفي الكرخي وتذكير الضمير يعود على الصداق المراد به الجنس ، قل أو كثر فيكون حملا على المعنى .

{ نفسا } نصب على التمييز لأن نفسا في معنى الجنس ، وجيء بالتمييز مفردا إن كان قبله جمعا لعدم اللبس ، إذ من المعلوم أن الكل لسن مشتركات في نفس واحدة أي فإن طابت نفوسهن عن شيء من الصداق .

وفي طبن دليل على أن المعتبر في تحليل ذلك منهن لهم إنما هو طيبة النفس لا مجرد ما يصدر منها من الألفاظ التي لا يتحقق معها طيبة النفس ، فإذا ظهر منها ما يدل على عدم طيبة النفس نفسها لم يحل للزواج ولا للولي وإن كانت قد تلفظت بالهبة أو النذر أو نحوهما .

وما أقوى دلالة هذه الآية على عدم اعتبار ما يصدر من النساء من الألفاظ المفيدة للتمليك بمجردها لنقصان عقولهن وضعف إدراكهن سرعة انخداعهن وانجذابهن إلى ما يراد منهن بأيسر ترغيب أو ترهيب .

{ فكلوه } أي فخذوا ذلك الشيء الذي طابت به نفوسهن وتصرفوا فيه بأنواع التصرفات وخص الأكل لأنه معظم ما يراد بالمال وإن كان سائر الإنتفاعات به جائز كالأكل { هنيئا مريئا } يقال هناه الطعام والشراب يهنيه ومراه وأمراه من الهنا والمرا ، والفعل هنا ومرأ أي أتى من غير مشقة ولا غيظ ، وقيل هو الطيب الذي لا تنغيص فيه وقيل لمحمود العاقبة الطيب الهضم ، وقيل ما لا إثم فيه ، والمقصود هنا أنه حلال لهم خالص عن الشوائب .