تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓـٔٗا مَّرِيٓـٔٗا} (4)

الآية 4 وقوله تعالى : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } عن ابن عباس رضي الله عنه { نحلة } أنه قال : المهر ، وقيل النحلة الفريضة أي آتوهن فريضتهن ، وقيل : { نحلة } أي عطية أي ( لها لا لوليها ){[4807]} ، وهو من النُّحْلى ، وقيل : نحلة من نحل{[4808]} الدين أن تؤتوا النساء صداقتهن ، ليس على ما كانوا يفعلون في الجاهلية يتزوجون النساء بغير مهورهن ففيه أن لأهل الكفر النكاح بغير مهر .

وقوله تعالى : { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } في{[4809]} الآية دلالة جواز هبة المرأة لزوجها{[4810]} وفساد قول من لا يجيز هبة المرأة ( مالها تلده وتبقى في بيته بيته سيئة ) {[4811]} فيجور أمرها . وفي الآية دليل أن المهر لها حين أضاف إحلال الهبة إليهن ، بقوله : { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } وفيه دليل أيضا أن هبة الديون والبراءة منها جائزة كما جازت هبة المرأة مهرها وهو دين .

وقيل : فيه وجه آخر وهو أن الآباء في الجاهلية والأولياء كانوا يأخذون مهور نسائهم فأمرهم عز وجل ألا{[4812]} يأخذوا ذلك وحكم أن المهر للمرأة دون وليها ( إلا أن تهبه لوليها ) {[4813]} ، فيحل حينئذ .

وقوله عز وجل : { فكلوه هنيئا } لا داء فيه { مريئا } لا إثم فيه ، الهنيء هو اللذيذ الشهي الذي ( يمتع ) {[4814]} عند تناوله وسيره ، والمريء الذي تحمد عاقبته .

ثم الحكمة في ذكر الهنيء والمريء هنا ( في وجهين ) {[4815]} :

أحدهما : ما ذكر في الآيات من الوعيد بأخذه منها بقوله{[4816]} عز وجل : { فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا } إلى قوله : { بعضكم إلى بعض } ( النساء 21-21 ) لئلا يمتنعوا عن قبول ذلك الوعيد الذي ذكر في الآيات .

والثاني : أن الامتناع عن قبول ما بذلت الزوجة يحمل{[4817]} على حدوث المكروه ويورث الضغائن ، وذلك سبب قطع الزوجية ما في بينهما .

وقيل : قوله عز وجل : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } يعني بطيبة أنفسكم ، يقول : لا تعطوهن مهورهن وأنتم كارهون ، ولكن آتوهن وأنفسكم به طيبة إذ كانت{[4818]} المهور لهن دونكم .

وقيل : قوله عز وجل : فإن طبن لكم } أي ما طابت به أنفسهن من غير كره هو حلال ؛ وعن علقمة أنه قال لامرأته : أطعمني من الهنيء المريء ، وعن علي رضي الله عنه أنه قال : ( إذا اشتكى أحدكم فليسأل امرأته ثلاثة دراهم من{[4819]} صداقها ثم يشتري لها عسلا ثم يشربه بماء السماء فيجمع الله تعالى الهنيء والمريء والشفاء والماء ) .

وفي قوله أيضا عز وجل : { فكلوه هنيئا مريئا } أن النفقة وإن كانت عليه فهي إذا قامت بها في نفسها لا يخرج هو ؛ لأن نفقتها عليها ليست بأعظم من مالها إذا تطيبت . وصف بالهنيء المريء بما ربما يستثقل{[4820]} الطبع عن مالها كراهة الامتنان أو بما كان عليه كفايتها أو بما جرى من الوعيد الشديد في منع مهرها أو بما قد تحتشمه فتبذل له أو بما يوهم الطمع في مالها والرغبة في النكاح لذلك ، فطيبه الله تعالى حتى وصفه بغاية ما يحتمل المال . وفيه بيان جواز معروفها وترغيب في حسن المعاشرة بينهما حتى أبقى ذلك بعد الفراق بقوله عز وجل : { إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } الآية ( البقرة 137 ) وذلك أخذ ما يورث المحبة والمودة أو يديمها أن جعل الله بينهما { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها } ( الروم 21 ) .

مسألة في العبد لا يتزوج أكثر من اثنتين : روي عن عبد الله بن عيينة رضي الله عنه أنه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( ينكح العبد اثنتين ويطلق اثنتين ، وتعتد الأمة حيضتين فإن لم يحضن فشهر ونصف ) ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ( لا يحل للعبد أن ينكح فوق اثنتين ) ، وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال ( يتزوج العبد اثنتين ) ، وعن عمر رضي الله عنه أنه قال لابن مسعود رضي الله عنه : ( ما يحل للعبد من النساء ؟ قال : اثنتان{[4821]} " ، قال عمر رضي الله عنه : ( ذلك أرى ) ، وعن الحكم قال : اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين ، فهؤلاء ستة نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم{[4822]} عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وعلي وابن مسعود والفضل بن عباس والأنصاري رضي الله عنهم اتفقوا على أن العبد يتزوج اثنتين ولا يتزوج أكثر من ذلك .

وأيضا عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأمة تطلق تطليقتين وتعتد حيضتين " ( الموطأ 2 /581 ) فإن احتج محتج لعموم الآية : أن الله تعالى قال : { مثنى وثلاث ورباع } ولم يذكر عبدا ولا حرا فهو على عمومه قيل : في الآية دليل أن الخطاب للأحرار وهو قوله سبحانه وتعالى : { وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } ( النور 32 ) فكان المخاطب بنكاح العبيد مواليهم ، ليس له أن ينكح المرأة إلا بإذن مولاه ، ومولاه يزوجه إذا شاء بغير أمره ، فإنما الخطاب لمن له أن يتزوج إن شاء ، والعبد من ذلك خارج .

ألا ترى أنه قال عز وجل : { أو ما ملكت إيمانكم } والعبد لا يملك ملك اليمين ؟ فدل أن الخطاب راجع إلى الأحرار دون العبيد ، فإن قيل : قد جعلتم للعبد أن يطلق الحرة ثلاثا فجعلتم له من الطلاق مثل ما جعلتموه للحر فيجب أن تجعلوا له من تزوج النساء مثل الذي يجوز للحر ، قيل : الفرق بينهما أن الطلاق عندنا بالنساء لأن الحر يطلق امرأة الأمة تطليقتين فتحرم عليه ، والتزويج بالرجال لا ينظر فيه إلى النساء . فللعبد أن يتزوج النصف من تزويج الحر ، كما أن عدة الأمة وطلاقها على النصف من عدة الحرة على ما روينا من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكون للعبد في امرأتين شيء{[4823]} نصف ما للحر من الأربع .

وروي ( عن ) {[4824]} الحسن أنه قال في قوله تعالى : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } ( النساء 5 ) يعني الكفار ، وقيل { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } فيكونوا قياما عليكم ، ولكن أنتم قياما عليهم ، وقيل : لا تؤتوهم أموالكم فيكونوا أربابا عليكم وكونوا أربابا بأموالكم عليهم .

ومن صرف التأويل إلى اليتامى جعل معنى قوله عز وجل : { أموالكم } كقوله : { ولا تقتلوا أنفسكم } ( النساء 29 ) وكقوله : { فسلموا على أنفسكم } ( النور 61 ) يريد ( من ) {[4825]} ترونه في البيوت فعلى ذلك إضافة أموال اليتامى إلى الأولياء .


[4807]:في الأصل و م: هي وليها.
[4808]:في الأصل و م: نحلة.
[4809]:في الأصل: وفي.
[4810]:في الأصل و م: من زوجها.
[4811]:في الأصل و م: بمالها تلد أو تبقى في بيته سنة ولده: خصمه (اللسان).
[4812]:في الأصل و م: أن.
[4813]:من م ساقطة من الأصل.
[4814]:ساقطة من الأصل و م.
[4815]:في الأصل و م: وجهان.
[4816]:من م في الأصل: يقول.
[4817]:في الأصل و م: يحتمل.
[4818]:في الأصل و م: كان.
[4819]:أدرج بعدها في م: ما طابت به أنفسهن من غير كره فهو حلال.
[4820]:في م: يشتغل.
[4821]:في الأصل و م: اثنتين
[4822]:في الأصل و م: منهم
[4823]:في الأصل و م: شيئا.
[4824]:من م ساقطة من الأصل.
[4825]:ساقطة من الأصل و م.