النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓـٔٗا مَّرِيٓـٔٗا} (4)

قوله تعالى : { وءَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ . . . } اختلف فِيمَن توجَّه إليه هذا الخطاب على قولين :

أحدهما : أنه متوجه إلى الأزواج ، وهو قول الأكثرين .

والثاني : أنه متوجه إلى الأولياء ، لأنهم كانوا يتملكون في الجاهلية صداق{[593]} المرأة ، فأمر الله بدفع صدقاتهن إليهن ، وهو قول أبي صالح .

وأما النَّحلة فهي العطية من غير بدل ، وسمي الدين نِحْلَةَ ، لنه عطية من الله ، وفي تسميه النّحْل بذلك قولان :

أحدهما : أنه سمي نحلاً لما يعطي من العسل .

والثاني : لأن الله تعالى نَحَلهُ عباده .

وفي المراد بالنَّحلة في الصداق أربعة تأويلات :

أحدها : يعني فريضة مُسَمَّاة ، وهو قول قتادة ، وابن جريج .

والثاني : أنه نحلة من الله عز وجل لهن بعد أن كان ملكاً للأولياء ، وهو قول أبي صالحٍ .

والثالث : أنه نهى لِما كانوا عليه من خِطْبة الشغار ، والنكاح بغير صداق ، وهو قول سليمان بن جعفر بن أبي المعتمر .

والرابع : أنه أراد أن يطيبوا نفساً بدفعه ، كما يطيبون نفساً بالنحل والهبة ، وهو قول بعض المتأخرين .

{ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً } يعني الزوجات إن طبن نفساً عن شيء من صداقهن لأزواجهن في قول من جعله خطاباً للأزواج ، ولأوليائهن في قول من جعله خطاباً للأولياء .

{ فَكُلُوهُ هُنِيئاً مَّرِيئاً } الهنيء ما أعقب نفعاً وشفاء ، ومنه هنأ البعير للشفاء ، قال الشاعر :

متبدلاً تَبْدُو مَحاسنه *** يَضَعُ الهناءَ مَواضِعَ النُّقبِ{[594]}


[593]:- عبارة ك: لأنهم كانوا لا يعطوهن من صدقاتهن شيئا. والمعنى متقارب.
[594]:- الشاعر هو دريد بن الصمة كما في اللسان مادة نقب، ومعنى النقب القطع المتفرقة من الجرب الواحدة نقبة.