نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓـٔٗا مَّرِيٓـٔٗا} (4)

ولما حذروا من القول الذي من مدلوله{[20524]} المحاجة عن كثرة النساء ؛ كان ربما تعلق به من يبخل عن بعض الحقوق ، لاسيما ما{[20525]} يستكثره من الصداق ، فأتبعه ما{[20526]} ينفي ذلك ، فقال - مخاطباً للأزواج ، لأن السياق لهم ، معبراً بما يصلح للدفع والالتزام المهيىء له : { وآتوا النساء } أي عامة من اليتامى وغيرهن{[20527]} { صدقاتهن } ، وقوله مؤكداً للإيتاء بمصدر من معناه : { نحلة } مؤيد لذلك ، لأن معناها : عطية عن طيب نفس ؛ قال الإمام أبو عبد الله القزاز في ديوانه : وأصله - أي النحل : إعطاء الشيء لا يراد به عوض{[20528]} وكذا إن قلنا : معنى النحلة الديانة والملة والشرعة والمذهب ، أي آتوهن ذلك ديانة .

ولما وقع الأمر بذلك كان ربما أبى المتخلق{[20529]} بالإسلام قبول ما تسمح به المرأة منه بإبراء{[20530]} أو رد على سبيل الهبة - لظنه أن ذلك لا يجوز أو غير ذلك فقال : { فإن طبن لكم } أي متجاوزات { عن شيء } ووحّد الضمير ليرجع إلى الصداق المفهوم من الصدقات ، ولم يقل : منها ، لئلا يظن أن الموهوب لا يجوز إلا إن كان صداقاً كاملاً فقال{[20531]} : { منه } أي الصداق { نفساً } أي عن شهوة صادقة من غير إكراه{[20532]} ولا خديعة { فكلوه } أي تصرفوا فيه بكل تصرف يخصكم{[20533]} { هنيئاً } أي سائغاً صالحاً لذيذاً في عافية بلا مشقة ولا مضرة { مريئاً * } أي جيد المغبة{[20534]} بهجا ساراً ، لا تنغيص{[20535]} فيه{[20536]} ، وربما كان التبعيض{[20537]} ندباً إلى التعفف عن قبول الكل ، لأنه في الغالب لا يكون إلا عن خداع أو ضجر فربما أعقب الندم ، وهذا الكلام يدل أيضاً على تخصيص الأحرار دون العبيد ، لأنهم لا يملكون ماجعلته النساء لهم ليأكلوه هنيئاً . قال الأصبهاني : فإن وهبت له ثم طلبت منه بعد الهبة علم أنها لم تطب{[20538]} نفسها ، وعن الشعبي ان رجلاً أتى مع امرأته شريحاً في عطية أعطتها إياه وهي تطلب أن ترجع ، فقال شريح : رد عليها ، فقال الرجل{[20539]} : أليس قد قال الله تعالى : { فإن طبن لكم{[20540]} } [ النساء : 4 ] قال{[20541]} : لو طابت نفسها{[20542]} لما رجعت فيه ؛ وعنه قال{[20543]} : أقيلها{[20544]} فيما وهبت ولا أقيله ، لأنهن{[20545]} يخدعن .


[20524]:من ظ ومد، وفي الأصل: مدلولة.
[20525]:في ظ: من .
[20526]:من ظ ومد، وفي الأصل: مما.
[20527]:من ظ ومد، وفي الأصل: غيرهم.
[20528]:زيد ما بين الحاجزين من مد.
[20529]:في ظ: المستخلق.
[20530]:من مد، وفي الأصل: إترا، وفي ظ: من إبراء ـ كذا.
[20531]:في ظ: قال.
[20532]:من ظ ومد، وفي الأصل: إكراه ـ كذا.
[20533]:في مد: تخصكم.
[20534]:من مد ـ أي العاقبة، وفي الأًصل: إلا عنه، وفي ظ: العيه ـ كذا، وفي القاموس: وقد مرأ الطعام مراءة فهو مريء: هنيء حميد المغبة.
[20535]:في الأصل ومد: تنقيص، وفي ظ: تنصيص ـ كذا، وفي تاج العروس على رواية الكشاف: الهنيء والمريء صفتان من: هنـأ الطعام ومرأ ـ إذا كان سائغا لا تنغيص فيه.
[20536]:زيد من ظ.
[20537]:في ظ: التنغيص.
[20538]:من مد، وفي الأصل وظ: لم تطلب.
[20539]:زيد من روح المعاني 2/20.
[20540]:سقط من ظ ومد.
[20541]:زيد من ظ ومد.
[20542]:زيد في روح المعاني: عنه.
[20543]:سقط من مد.
[20544]:في ظ: أقبلها.
[20545]:من ظ ومد، وفي الأصل: لأنه.