{ وآتوا النساء صدقاتهن } أي مهورهن . والخطاب للأزواج وهو قول علقمة وقتادة والنخعي واختيار الزجاج لأن ما قبله خطاب للناكحين . وقيل : خطاب للأولياء لأن العرب كانت في الجاهلية لا تعطي البنات من مهورهن شيئاً ، ولذلك كانوا يقولون لمن ولدت له ابنة : هينئاً لك النافجة - يعنون أنك تأخذ مهرها إبلاً فتضمها إلى إبلك فتنفج مالك أي تعظمه . وقال ابن الأعرابي : النافجة ما يأخذه الرجل من الحلوان إذا زوج ابنته . فنهى الله عن ذلك وأمر بدفع الحق إلى أهله ، وهذا قول الكلبي وأبي صالح واختيار الفراء وابن قتيبة .
قال القفال : يحتمل أن يكون المراد من الإيتاء المناولة فيكونوا قد أمروا بدفع المهور التي سموها لهن ، ويحتمل أن يراد الالتزام كقوله :{ حتى يعطوا الجزية عن يد }[ التوبة :29 ] أي حتى يضمنوها ويلتزموها . فيكون المعنى أن الفروج لا تستباح إلا بعوض يلتزم سواء سمي ذلك أو لم يسم إلا ما خص به الرسول صلى الله عليه وسلم من الموهوبة . قال : ويجوز أن يراد الوجهان جميعاً . أما قوله نحلة فقد قال ابن عباس وقتادة ابن جريج وابن زيد : أي شريعة وديانة . فيكون مفعولاً له ، أو حالاً من الصدقات أي ديناً من الله شرعه وفرضه . وقال الكلبي : أي عطية وهبة فيكون نصباً على المصدر لأن النحلة والإيتاء بمعنى الإعطاء ، أو الحال على من المخاطبين أي آتوهن صدقاتهن ناحلين طيبي النفوس بالإعطاء من غير مطالبة منهن ، لأن ما يؤخذ بالمطالبة لا يسمى نحلة ، أو من الصدقات أي منحولة معطاة عن طيب نفس . وإنما سميت عطية من الزوج لأن الزوج لا يملك بدله شيئاً ، لأن البضع في ملك المرأة بعد النكاح كهو قبله . وإنما الذي استحقه الزوج هو الاستباحة لا الملك . والنحلة العطية من غير بدل . وقال قوم : إن الله تعالى جعل منافع النكاح من قضاء الشهوة والتوالد مشتركاً بين الزوجين ، ثم أمر الزوج بأن يؤتي الزوجة المهر وكان ذلك عطية من الله تعالى ابتداء . ثم لما أمرهم بإيتاء الصدقات أباح لهم جواز قبول إبرائها وهبتها . وانتصب { نفساً } على التمييز وإنما وحد لأنه لا يلبس أن النفس لهن لأنهن أنفس ولو جمعت لجاز ، والضمير في { منه } للصداق أو للمذكور في قوله : { طبن } وبناء الكلام على الإبهام ثم التمييز دون أن يقول سمحن أو وهبن . وفي قوله : { عن شيء منه } دون أن يقول عنه تنبيه على أن قبول ذلك إنما يحل إذا طابت نفوسهن بالهبة من غير اضطرار وسوء معاشرة من الزوج يحملهن على ذلك وبعث لهن على تقليل الموهوب ، ولهذا ذكر الضمير في { منه } لينصرف إلى الصداق الواحد فيكون متناولاً بعضه ، ولو أنث لتناول ظاهره هبة الصداق كله لأن بعض الصدقات واحدة منها أو أكثر . ومن هذا التقرير يظهر أن " من " في قوله : { منه } للتبعيض إخراجاً للكلام مخرج الغالب مع فائدة البعث المذكور لأنه لا يجوز هبة كل الصداق إذا طابت نفسها عن المهر بالكلية ، ومن غفل عن هذه الدقيقة زعم أن " من " للتبيين والمعنى عن شيء هو هذا الجنس يعني الصداق . { فكلوه هنيئاً مريئاً } صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ إذا كان سائغاً لا تنغيص فيه . وقيل : الهنيء ما يستلذه الآكل ، والمريء ما تحمد عاقبته . وقيل : هو ما ينساغ في مجراه ومنه يقال : المريء لمجرى الطعام من الحلقوم إلى فم المعدة .
وقيل : أصله من الهناء وهو معالجة الجرب بالقطران . فالهنيء شفاء من الجرب . وبالجملة فهو عبارة عن التحلل أو المبالغة في إزالة التبعة في الدنيا والآخرة . وهما صفتان للمصدر أي أكلاً هنيئاً مريئاً ، أو حال من الضمير أي كلوه وهو هنيء مريء . وقد يوقف على قوله : { فكلوه } ويبتدأ { هنيئاً مريئاً } على الدعاء أو على أنهما قاما مقام مصدريهما أي هنأ مرأ . والمراد بالأكل التصرف الشامل للعين والدين . قال بعض العلماء : إن وهبت ثم طلبت علم أنها لم تطب عنه نفساً . وعن عمر أنه كتب إلى قضاته أن النساء يعطين رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت ثم أرادت أن ترجع فذلك لها . وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية فقال : إذا جادت لزوجها بالعطية طائعة غير مكرهه لا يقضي به عليكم سلطان ولا يؤاخكم الله به في الآخرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.