غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓـٔٗا مَّرِيٓـٔٗا} (4)

1

{ وآتوا النساء صدقاتهن } أي مهورهن . والخطاب للأزواج وهو قول علقمة وقتادة والنخعي واختيار الزجاج لأن ما قبله خطاب للناكحين . وقيل : خطاب للأولياء لأن العرب كانت في الجاهلية لا تعطي البنات من مهورهن شيئاً ، ولذلك كانوا يقولون لمن ولدت له ابنة : هينئاً لك النافجة - يعنون أنك تأخذ مهرها إبلاً فتضمها إلى إبلك فتنفج مالك أي تعظمه . وقال ابن الأعرابي : النافجة ما يأخذه الرجل من الحلوان إذا زوج ابنته . فنهى الله عن ذلك وأمر بدفع الحق إلى أهله ، وهذا قول الكلبي وأبي صالح واختيار الفراء وابن قتيبة .

قال القفال : يحتمل أن يكون المراد من الإيتاء المناولة فيكونوا قد أمروا بدفع المهور التي سموها لهن ، ويحتمل أن يراد الالتزام كقوله :{ حتى يعطوا الجزية عن يد }[ التوبة :29 ] أي حتى يضمنوها ويلتزموها . فيكون المعنى أن الفروج لا تستباح إلا بعوض يلتزم سواء سمي ذلك أو لم يسم إلا ما خص به الرسول صلى الله عليه وسلم من الموهوبة . قال : ويجوز أن يراد الوجهان جميعاً . أما قوله نحلة فقد قال ابن عباس وقتادة ابن جريج وابن زيد : أي شريعة وديانة . فيكون مفعولاً له ، أو حالاً من الصدقات أي ديناً من الله شرعه وفرضه . وقال الكلبي : أي عطية وهبة فيكون نصباً على المصدر لأن النحلة والإيتاء بمعنى الإعطاء ، أو الحال على من المخاطبين أي آتوهن صدقاتهن ناحلين طيبي النفوس بالإعطاء من غير مطالبة منهن ، لأن ما يؤخذ بالمطالبة لا يسمى نحلة ، أو من الصدقات أي منحولة معطاة عن طيب نفس . وإنما سميت عطية من الزوج لأن الزوج لا يملك بدله شيئاً ، لأن البضع في ملك المرأة بعد النكاح كهو قبله . وإنما الذي استحقه الزوج هو الاستباحة لا الملك . والنحلة العطية من غير بدل . وقال قوم : إن الله تعالى جعل منافع النكاح من قضاء الشهوة والتوالد مشتركاً بين الزوجين ، ثم أمر الزوج بأن يؤتي الزوجة المهر وكان ذلك عطية من الله تعالى ابتداء . ثم لما أمرهم بإيتاء الصدقات أباح لهم جواز قبول إبرائها وهبتها . وانتصب { نفساً } على التمييز وإنما وحد لأنه لا يلبس أن النفس لهن لأنهن أنفس ولو جمعت لجاز ، والضمير في { منه } للصداق أو للمذكور في قوله : { طبن } وبناء الكلام على الإبهام ثم التمييز دون أن يقول سمحن أو وهبن . وفي قوله : { عن شيء منه } دون أن يقول عنه تنبيه على أن قبول ذلك إنما يحل إذا طابت نفوسهن بالهبة من غير اضطرار وسوء معاشرة من الزوج يحملهن على ذلك وبعث لهن على تقليل الموهوب ، ولهذا ذكر الضمير في { منه } لينصرف إلى الصداق الواحد فيكون متناولاً بعضه ، ولو أنث لتناول ظاهره هبة الصداق كله لأن بعض الصدقات واحدة منها أو أكثر . ومن هذا التقرير يظهر أن " من " في قوله : { منه } للتبعيض إخراجاً للكلام مخرج الغالب مع فائدة البعث المذكور لأنه لا يجوز هبة كل الصداق إذا طابت نفسها عن المهر بالكلية ، ومن غفل عن هذه الدقيقة زعم أن " من " للتبيين والمعنى عن شيء هو هذا الجنس يعني الصداق . { فكلوه هنيئاً مريئاً } صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ إذا كان سائغاً لا تنغيص فيه . وقيل : الهنيء ما يستلذه الآكل ، والمريء ما تحمد عاقبته . وقيل : هو ما ينساغ في مجراه ومنه يقال : المريء لمجرى الطعام من الحلقوم إلى فم المعدة .

وقيل : أصله من الهناء وهو معالجة الجرب بالقطران . فالهنيء شفاء من الجرب . وبالجملة فهو عبارة عن التحلل أو المبالغة في إزالة التبعة في الدنيا والآخرة . وهما صفتان للمصدر أي أكلاً هنيئاً مريئاً ، أو حال من الضمير أي كلوه وهو هنيء مريء . وقد يوقف على قوله : { فكلوه } ويبتدأ { هنيئاً مريئاً } على الدعاء أو على أنهما قاما مقام مصدريهما أي هنأ مرأ . والمراد بالأكل التصرف الشامل للعين والدين . قال بعض العلماء : إن وهبت ثم طلبت علم أنها لم تطب عنه نفساً . وعن عمر أنه كتب إلى قضاته أن النساء يعطين رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت ثم أرادت أن ترجع فذلك لها . وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية فقال : إذا جادت لزوجها بالعطية طائعة غير مكرهه لا يقضي به عليكم سلطان ولا يؤاخكم الله به في الآخرة .

/خ10