تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

وقوله { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ } أي : وامتن على آخرين من غيرهم أي : من غير الأميين ، ممن يأتي بعدهم ، ومن أهل الكتاب ، لما يلحقوا بهم ، أي : فيمن باشر{[1094]}  دعوة الرسول ، ويحتمل أنهم لما يلحقوا بهم في الفضل ، ويحتمل أن يكونوا لما يلحقوا بهم في الزمان ، وعلى كل ، فكلا المعنيين صحيح ، فإن الذين بعث الله فيهم رسوله وشاهدوه وباشروا دعوته ، حصل لهم من الخصائص والفضائل ما لا يمكن أحدًا أن يلحقهم فيها ، وهذا من عزته وحكمته ، حيث لم يترك عباده هملاً ولا سدى ، بل ابتعث فيهم الرسل ، وأمرهم ونهاهم .


[1094]:- كذا في ب، وفي أ: باشروا.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ، وهو العزيز الحكيم ) . .

وهؤلاء الآخرون وردت فيهم روايات متعددة . .

قال الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن ثور ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " كنا جلوسا عند النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فأنزلت عليه سورة الجمعة ( وآخرين لما يلحقوا بهم )قالوا : من هم يا رسول الله ? فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا ، وفينا سلمان الفارسي ، فوضع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يده على سلمان الفارسي ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء " . فهذا يشير إلى أن هذا النص يشمل أهل فارس . ولهذا قال مجاهد في هذه الآية : هم الأعاجم وكل من صدق النبي [ صلى الله عليه وسلم ] من غير العرب .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا أبو محمد عيسى بن موسى عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي . قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب " ثم قرأ : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) . . يعني بقية من بقي من أمة محمد [ صلى الله عليه وسلم ] .

وكلا القولين يدخل في مدلول الآية . فهي تدل على آخرين غير العرب . وعلى آخرين غير الجيل الذي نزل فيه القرآن . وتشير إلى أن هذه الأمة موصولة الحلقات ممتدة في شعاب الأرض وفي شعاب الزمان ، تحمل هذه الأمانة الكبرى ، وتقوم على دين الله الأخير .

( وهو العزيز الحكيم ) . . القوي القادر على الاختيار . الحكيم العليم بمواضع الاختيار . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } .

يقول تعالى ذكره : وهو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ، وفي آخرين منهم لما يلحقوا بهم فآخرون في موضع خفض عطفا على الأميين .

وقد اختلف في الذين عُنوا بقوله : وآخَرِينَ مِنْهُمْ ، فقال بعضهم : عُنِي بذلك العجم . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثني ابن علية ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : هم الأعاجم .

حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا فضيل بن طلحة ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : هم الأعاجم .

حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : الأعاجم .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : الأعاجم .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت سفيان الثوريّ لا أعلمه إلا عن مجاهد : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : العجم .

حدثني محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا هشام بن يوسف ، عن عبد الرحمن بن عمر بن عبد الرحمن بن العاص ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن ابن عمر ، أنه قال : له : أما إن سورة الجمعة أنزلت فينا وفيكم في قتلكم الكذّاب ، ثم قرأ : يُسَبّحُ لِلّهِ ما في السّمَوَاتِ وَما في الأرْض . حتى بلغ وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : فأنتم هم .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : الأعاجم .

حدثني محمد بن معمر ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا عبد العزيز وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني سليمان بن بلال ، جميعا عن ثور بن زيد ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، قال : كنا جلوسا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فنزلت عليه سورة الجمعة ، فلما قرأ : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال رجل : من هؤلاء يا رسول الله ؟ قال : فلم يراجعه النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرّة أو مرّتين أو ثلاثا ، قال : وفينا سلمان الفارسيّ ، فوضع النبيّ صلى الله عليه وسلم يده على سلمان فقال : «لَوْ كانَ الإيمَانُ عنْدَ الثّرَيّا لَنالَهُ رِجالٌ مِنْ هَولاءِ » .

حدثني أحمد بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا عمي ، قال : حدثنا سليمان بن بلال المدنّي ، عن ثور بن زيد ، عن سالم أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، قال : «كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه .

وقال آخرون : إنما عُني بذلك جميع من دخل في الإسلام من بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم كائنا من كان إلى يوم القيامة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : من ردف الإسلام من الناس كلهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله عزّ وجلّ : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال : هؤلاء كلّ من كان بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ، كلّ من دخل في الإسلام من العرب والعجم .

وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي قول من قال : غُني بذلك كلّ لاحق لحق بالذين كانوا صحبوا النبيّ صلى الله عليه وسلم في إسلامهم من أيّ الأجناس لأن الله عزّ وجلّ عمّ بقوله : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ كلّ لاحق بهم من آخرين ، ولم يخصص منهم نوعا دون نوع ، فكلّ لاحق بهم فهو من الاَخرين الذي لم يكونوا في عداد الأوّلين الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم آيات الله وقوله : لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ يقول : لم يجيئوا بعد وسيجيئون . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ يقول : لم يأتوا بعد .

وقوله : وَهُوَ العَزِيزُ الْحكِيم يقول : والله العزيز في انتقامه ممن كفر به منهم ، الحكيم في تدبيره خلقه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

وآخرين منهم عطف على الأميين أو المنصوب في يعلمهم وهم الذين جاؤوا بعد الصحابة إلى يوم الدين فإن دعوته وتعليمه يعم الجميع لما يلحقوا بهم لم يحلقوا بهم بعد وسيلحقون وهو العزيز في تمكينه من هذا الأمر الخارق للعادة الحكيم في اختياره وتعليمه .