تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۭ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۖ كَأَنَّمَآ أُغۡشِيَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَعٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (27)

{ 27 ْ } { وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ْ }

لما ذكر أصحاب الجنة ذكر أصحاب النار ، فذكر أن بضاعتهم التي اكتسبوها في الدنيا هي الأعمال السيئة المسخطة لله ، من أنواع الكفر والتكذيب ، وأصناف المعاصي ، فجزاؤهم سيئة مثلها أي : جزاء يسوؤهم بحسب ما عملوا من السيئات على اختلاف أحوالهم .

{ وَتَرْهَقُهُمْ ْ } أي : تغشاهم { ذِلَّةٌ ْ } في قلوبهم وخوف من عذاب الله ، لا يدفعه عنهم دافع ولا يعصمهم منه عاصم ، وتسري تلك الذلة الباطنة إلى ظاهرهم ، فتكون سوادًا في الوجوه{[397]} .

{ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ْ } فكم بين الفريقين من الفرق ، ويا بعد ما بينهما من التفاوت ؟ !

{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ْ } { ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ْ }


[397]:- في ب: في وجوههم.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۭ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۖ كَأَنَّمَآ أُغۡشِيَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَعٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (27)

26

( والذين كسبوا السيئات ) . .

فكانت هي الربح الذي خرجوا به من صفقة الحياة ! هؤلاء ينالهم عدل الله ، فلا يضاعف لهم الجزاء ، ولا يزاد عليهم السوء . ولكن :

( جزاء سيئة بمثلها ) . . ( وترهقهم ذلة ) . .

تغشاهم وتركبهم وتكربهم .

( ما لهم من الله من عاصم ) . .

يعصمهم ويمنعهم من المصير المحتوم ، نفاذا لسنة الله الكونية فيمن يحيد عن الطريق ، ويخالف الناموس . . ثم يرسم السياق صورة حسية للظلام النفسي والكدرة التي تغشى وجه المكروب المأخوذ المرعوب :

( كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما ) . .

كأنما أخذ من الليل المظلم فقطع رقعا غشيت بها هذه الوجوه ! وهكذا يغشى الجو كله ظلام من ظلام الليل المظلم ورهبة من رهبته ، تبدو فيه هذه الوجوه ملفعة بأغشية من هذا الليل البهيم . .

( أولئك ) . . المبعدون في هذا الظلام والقتام ( أصحاب النار ) . . ملاكها ورفاقها ( هم فيها خالدون ) .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۭ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۖ كَأَنَّمَآ أُغۡشِيَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَعٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (27)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ كَسَبُواْ السّيّئَاتِ جَزَآءُ سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ مّا لَهُمْ مّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مّنَ الْلّيْلِ مُظْلِماً أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .

يقول تعالى ذكره : والذين عملوا السيئات في الدنيا ، فعصوا الله فيها ، وكفروا به وبرسوله ، جزاء سيئة من عمله السيء الذي عمله في الدنيا بمثلها من عقاب الله في الاَخرة . وَتَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ يقول : وتغشاهم ذلة وهوان بعقاب الله إياهم . ما لَهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمٍ يقول : ما لهم من الله من مانع يمنعهم إذا عاقبهم يحول بينه وبينهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَتَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ قال : تغشاهم ذلة وشدّة .

واختلف أهل العربية في الرافع للجزاء ، فقال بعض نحويي الكوفة : رفع بإضمار «لهم » ، كأنه قيل : ولهم جزاء السيئة بمثلها ، كما قال : فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ فِي الحَجّ والمعنى : فعليه صيام ثلاثة أيام . قال : وإن شئت رفعت الجزاء بالباء في قوله : وَجَزَاءُ سَيّئَةٍ بمِثْلِها . وقال بعض نحويي البصرة : الجزاء مرفوع بالابتداء : وخبره بمثلها . قال : ومعنى الكلام : جزاء سيئة مثلها ، وزيدت الياء كما زيدت في قوله : بحسبك قول السوء . وقد أنكر ذلك من قول بعضهم فقال : يجوز أن تكون الباء في «حسب » ( زائدة ) ، لأن التأويل : إن قلت السوء فهو حسبك ، فلما لم تدخل في الجزاء أدخلت في حسب بحسبك أن تقوم إن قمت فهو حسبك ، فإن مدح ما بعد حسب أدخلت الباء فيما بعدها كقولك : حسبك بزيد ، ولا يجوز : بحسبك زيد ، لأن زيدا الممدوح فليس بتأويل جزاء .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون الجزاء مرفوعا بإضمار بمعنى : فلهم جزاء سيئة بمثلها لأن الله قال في الآية التي قبلها : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ فوصف ما أعدّ لأوليائه ، ثم عقب ذلك بالخبر عما أعدّ الله لأعدائه ، فأشبه بالكلام أن يقال : وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة . وإذا وجه ذلك إلى هذا المعنى كانت الياء للجزاء .

القول في تأويل قوله تعالى : كأنّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعا مِنَ اللّيْلِ مُظْلِما أُولَئِكَ أصَحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ .

يقول تعالى ذكره : كأنما ألبست وجوه هؤلاء الذين كسبوا السيئات قطعا من الليل ، وهي جمع قطعة . وكان قتادة يقول في تأويل ذلك ، ما :

حدثنا به محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر عن قتادة : كأنما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعا مِنَ اللّيْلِ مُظْلِما قال : ظلمة من الليل .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله تعالى : قِطَعا فقرأته عامة قرّاء الأمصار : قِطَعا بفتح الطاء على معنى جمع قطعة ، وعلى معنى أن تأويل ذلك : كأنما أغشيت وجه كلّ إنسان منهم قطعة من سواد الليل ، ثم جمع ذلك فقيل : كأنما أغشيت وجوههم قطعا من سواد ، إذ جمع «الوجه » . وقرأه بعض متأخري القرّاء : «قِطْعا » بسكون الطاء ، بمعنى : كأنما أغشيت وجوههم سوادا من الليل ، وبقية من الليل ، ساعة منه ، كما قال : فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللّيْلِ أي ببقية قد بقيت منه ، ويعتلّ لتصحيح قراءته ذلك كذلك أنه في مصحف أبيّ : «ويغشى وجوههم قطع من الليل مظلم » .

والقراءة التي لا يجوز خلافها عندي قراءة ذلك بفتح الطاء ، لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار على تصويبها وشذوذ ما عداها . وحسب الأخرى دلالة على فسادها ، خروج قارئها عما عليه قرّاء أهل الأمصار والإسلام .

فإن قال لنا قائل : فإن كان الصواب في قراءة ذلك ما قلت ، فما وجه تذكير المظلم وتوحيده ، وهو من نعت القِطَع والقِطْع جمع لمؤنث ؟ قيل في تذكيره ذلك وجهان : أحدهما : أن يكون قطعا من الليل ، وإن يكون من نعت الليل ، فلما كان نكرة والليل معرفة نصب على القطع . فيكون معنى الكلام حينئذ : كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل المظلم ، ثم حذفت الألف واللام من «المظلم » ، فلما صار نكرة وهو من نعت الليل نصب على القطع وتسمي أهل البصرة ما كان كذلك حالاً ، والكوفيّون قطعا . والوجه الاَخر على نحو قول الشاعر :

*** لو أنّ مِدْحَةَ حَيّ مُنْشِرٌ أحَدا ***

والوجه الأول أحسن وجهيه .

وقوله : أُولَئِكَ أصَحابُ النّارِ يقول : هؤلاء الذين وصفت لك صفتهم أهل النار الذين هم أهلها ، هُمْ فِيها خالِدُونَ يقول : هم فيها ماكثون .