تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

وذكر أن الرسل منهم من قصه الله على رسوله ، ومنهم من لم يقصصه عليه ، وهذا يدل على كثرتهم وأن الله أرسلهم مبشرين لمن أطاع الله واتبعهم ، بالسعادة الدنيوية والأخروية ، ومنذرين من عصى الله وخالفهم بشقاوة الدارين ، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فيقولوا : { مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ }

فلم يبق للخَلْق على الله حجة لإرساله الرسل تترى يبينون لهم أمر دينهم ، ومراضي ربهم ومساخطه وطرق الجنة وطرق النار ، فمن كفر منهم بعد ذلك فلا يلومن إلا نفسه .

وهذا من كمال عزته تعالى وحكمته أن أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ، وذلك أيضا من فضله وإحسانه ، حيث كان الناس مضطرين إلى الأنبياء أعظم ضرورة تقدر فأزال هذا الاضطرار ، فله الحمد وله الشكر . ونسأله كما ابتدأ علينا نعمته بإرسالهم ، أن يتمها بالتوفيق لسلوك طريقهم ، إنه جواد كريم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

148

( وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً )

وغيرهم ممن قصهم الله على نبيه [ ص ] في القرآن ، وممن لم يقصصهم عليه . . موكب من شتى الأقوام والأجناس ، وشتى البقاع والأرضين . في شتى الآونة والأزمان . لا يفرقهم نسب ولا جنس ، ولا أرض ولا وطن . ولا زمن ولا بيئة . كلهم آت من ذلك المصدر الكريم . وكلهم يحمل ذلك النور الهادي . وكلهم يؤدي الإنذار والتبشير . وكلهم يحاول أن يأخذ بزمام القافلة البشرية إلى ذلك النور . . سواء منهم من جاء لعشيرة . ومن جاء لقوم . ومن جاء لمدينة ومن جاء لقطر . . ثم من جاء للناس أجمعين : محمد رسول الله [ ص ] خاتم النبيين .

كلهم تلقى الوحي من الله . فما جاء بشيء من عنده . وإذا كان الله قد كلم موسى تكليما فهو لون من الوحي لا يعرف أحد كيف كان يتم . لأن القرآن - وهو المصدر الوحيد الصحيح الذي لا يرقى الشك إلى صحته - لم يفصل لنا في ذلك شيئا . فلا نعلم إلا أنه كان كلاما . ولكن ما طبيعته ؟ كيف تم ؟ بأية حاسة أو قوة كان موسى يتلقاه ؟ . . . كل ذلك غيب من الغيب لم يحدثنا عنه القرآن . وليس وراء القرآن - في هذا الباب - إلا أساطير لا تستند إلى برهان .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا} (164)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلّمَ اللّهُ مُوسَىَ تَكْلِيماً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : إنا أوحينا إليك ، كما أوحينا إلى نوح ، وإلى رسل قد قصصناهم عليك ، ورسل لم نقصصهم عليك . فلعل قائلاً أن يقول : فإذا كان ذلك معناه ، فما بال قوله : وَرُسُلاً منصوبا غير مخفوض ؟ قيل : نصب ذلك إذا لم تعد عليه «إلى » التي خفضت الأسماء قبله ، وكانت الأسماء قبلها وإن كانت مخفوضة ، فإنها في معنى النصب ، لأن معنى الكلام : إنا أرسلناك رسولاً كما أرسلنا نوحا والنبيين من بعده ، فعطفت الرسل على معنى الأسماء قبلها في الإعراب ، لانقطاعها عنها دون ألفاظها ، إذ لم يعد عليها ما خفضها ، كما قال الشّاعر :

لَوْ جِئْتَ بالخُبْزِ لَهُ مُنَشّرَا ***والبَيْضَ مَطْبُوخا مَعا والسّكّرَا

*** لمْ يُرْضِهِ ذَلِكَ حتى يَسْكَرَا ***

وقد يحتمل أن يكون نصب الرسل ، لتعلق الواو بالفعل ، بمعنى : وقصصنا رسلاً عليك من قبل ، كما قال جلّ ثناؤه : يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظّالِمِينَ أعَدّ لَهُمْ عَذَابا ألِيما ، وقد ذكر أن ذلك في قراءة أُبَيّ : «وَرُسُلٌ قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلٌ لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ » فرفع ذلك إذا قرىء كذلك بعائد الذكر في قوله : قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ .

وأما قوله : وكَلّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيما فإنه يعني بذلك جلّ ثناؤه : وخاطب الله بكلامه موسى خطابا . وقد :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا نوح بن أبي مريم ، وسئل : كيف كلّم الله موسى تكليما ؟ فقال : مشافهة .

وقد حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن ابن مبارك ، عن معمر ويونس ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، قال : أخبرني جزء بن جابر الخثعمي ، قال : سمعت كعبا يقول : إن الله جلّ ثناؤه لمّا كلم موسى ، كلمه بالألسنة كلها قبل كلامه يعني كلام موسى فجعل يقول : يا ربّ لا أفهم حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة ، فقال : يا ربّ هكذا كلامك ؟ قال : لا ، ولو سمعت كلامي أي على وجهه لم تك شيئا . قال ابن وكيع ، قال أبو أسامة : وزادني أبو بكر الصغاني في هذا الحديث : أن موسى قال : يا ربّ هل في خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا ، وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشدّ ما تسمع الناس من الصواعق .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر ، قال : سمعت محمد بن كعب القُرَظيّ ، يقول : سئل موسى : ما شبّهتَ كلام ربك مما خلق ؟ فقال موسى : الرعد الساكن .

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن ، أنه أخبره عن جزء بن جابر الخثعمي ، قال : لما كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه ، فطفق يقول : والله يا ربّ ما أفقه هذا حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة بمثل صوته ، فقال موسى : يا ربّ هذا كلامك ؟ قال : لا ، قال : هل في خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا ، وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشدّ ما يسمع الناس من الصواعق .

حدثني أبو يونس المكيّ ، قال : حدثنا ابن أبي أُوَيس ، قال : أخبرني أخي ، عن سليمان ، عن محمد بن أبي عتيق ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، أنه أخبره جَزْء بن جابر الخثعمي ، أنه سمع الأحبار تقول : لمّا كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه ، فطفق موسى يقول : أي ربّ ، والله ما أفقه هذا حتى كلمه آخر الألسنة بلسانه بمثل صوته ، فقال موسى : أي ربّ ، أهكذا كلامك ؟ فقال : لو كلمتك بكلامي لم تكن شيئا . قال : أي ربّ هل في خلقك شيء يشبه كلامك ؟ فقال : لا ، وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشدّ ما يسمع من الصواعق .

حدثنا ابن عبد الرحمين ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا زهير ، عن يحيى ، عن الزهريّ ، عن أبي بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن جزء بن جابر ، أنه سمع كعبا يقول : لما كلم الله موسى بالألسنة قبل لسانه ، طفق موسى يقول : أي ربّ ، إني لا أفقه هذا حتى كلمه الله آخر الألسنة بمثل لسانه ، فقال موسى : أي ربّ هذا كلامك ؟ قال الله : لو كلمتك بكلامي لم تكن شيئا . قال : يا ربّ ، فهل من خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا ، وأقرب خَلْقي شبها بكلامي ، أشدّ ما يسمع من الصواعق .