9 - 14 إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنزلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ .
أي : اذكروا نعمة اللّه عليكم ، لما قارب التقاؤكم بعدوكم ، استغثتم بربكم ، وطلبتم منه أن يعينكم وينصركم فَاسْتَجَابَ لَكُمْ وأغاثكم بعدة أمور : .
منها : أن اللّه أمدكم بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ أي : يردف بعضهم بعضا .
ثم يمضي السياق في استحضار جو المعركة وملابساتها ومواقفها ، حيث يتجلى كيف كانت حالهم ، وكيف دبر الله لهم ، وكيف كان النصر كله وليد تدبير الله أصلاً . . . والتعبير القرآني الفريد يعيد تمثيل الموقف بمشاهده وحوادثه وانفعالاته وخفقاته ، ليعيشوه مرة أخرى ، ولكن في ضوء التوجيه القرآني ، فيروا أبعاده الحقيقية التي تتجاوز بدراً ، والجزيرة العربية ، والأرض كلها ؛ وتمتد عبر السماوات وتتناول الملأ الأعلى ؛ كما أنها تتجاوز يوم بدر ، وتاريخ الجزيرة العربية ، وتاريخ البشرية في الأرض ، وتمتد وراء الحياة الدنيا ، حيث الحساب الختامي في الآخرة والجزاء الأوفى ، وحيث تشعر العصبة المسلمة بقيمتها في ميزان الله ، وقيمة أقدارها وأعمالها وحركتها بهذا الدين ومقامها الأعلى : ( إذ تستغيثون ربكم ، فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين . وما جعله الله إلا بشرى ، ولتطمئن به قلوبكم ، وما النصر إلا من عند الله ، إن الله عزيز حكيم . إذ يغشيكم النعاس أمنة منه ، وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ، ويذهب عنكم رجز الشيطان ، وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام . إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ، سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ، فاضربوافوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان . ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ، ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب . ذلكم فذوقوه ، وأن للكافرين عذاب النار ) . .
إنها المعركة كلها تدار بأمر الله ومشيئته ، وتدبيره وقدره ؛ وتسير بجند الله وتوجيهه . . وهي شاخصة بحركاتها وخطراتها من خلال العبارة القرآنية المصورة المتحركة المحيية للمشهد الذي كان ، كأنه يكون الآن !
فأما قصة الاستغاثة فقد روى الإمام أحمد - بإسناده - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لما كان يوم بدر نظر النبي [ ص ] إلى أصحابه وهم ثلاث مائة ونيف ، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة . فاستقبل النبي [ ص ] القبلة ، وعليه رداؤه وإزاره ، ثم قال : " اللهم أنجز لي ما وعدتني . اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً " قال : فما زال يستغيث ربه ويدعوه ، حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردّاه ، ثم التزمه من ورائه ، ثم قال : يا نبي الله ، كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله عز وجل : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) . .
وتروى روايات كثيرة مفصلة عن الملائكة في يوم بدر : عددهم . وطريقة مشاركتهم في المعركة . وما كانوا يقولونه للمؤمنين مثبتين وما كانوا يقولونه للمشركين مخذلين . . . ونحن - على طريقتنا في الظلال - نكتفي في مثل هذا الشأن من عوالم الغيب بما يرد في النصوص المستيقنة من قرآن أو سنة . والنصوص القرآنية هنا فيها الكفاية : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنِّي ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) . . فهذا عددهم . . ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ، سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ) . . فهذا عملهم . . ولا حاجة إلى التفصيل وراء هذا فإن فيه الكفاية . . وبحسبنا أن نعلم أن الله لم يترك العصبة المسلمة وحدها في ذلك اليوم ، وهي قلة والأعداء كثرة . وأن أمر هذه العصبة وأمر هذا الدين قد شارك فيه الملأ الأعلى مشاركة فعلية على النحو الذي يصفه الله - سبحانه - في كلماته . .
قال البخاري : باب شهود الملائكة بدراً : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا جرير ، عن يحيى بن سعيد ، عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي ، عن أبيه - وكان أبوه من أهل بدر - قال : جاء جبريل إلى النبي [ ص ] فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ? قال : " من أفضل المسلمين " - أو كلمة نحوها - قال : " وكذلك من شهد بدراً من الملائكة " . . . [ انفرد بإخراجه البخاري ] . . .
( إذ تستغيثون ربكم ، فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ } . .
يقول تعالى ذكره : ويبطل الباطل حين تستغيثون ربكم ، ف «إذا » من صلة «يبطل » ومعنى قوله : تسْتَغيثونَ رَبّكُمْ : تستجيرون به من عدوّكم ، وتدعونه للنصر عليهم . فاسْتَجابَ لَكُمْ يقول : فأجاب دعاءكم بأني ممدكم بألف من الملائكة يُردف بعضهم بعضا ويتلو بعضهم بعضا .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل وجاءت الرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر الأخبار بذلك .
حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن عكرمة بن عمار ، قال : ثني سماك الحنفي ، قال : سمعت ابن عباس يقول : ثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لما كان يوم بدر ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وعدتهم ، ونظر إلى أصحابه نيفا على ثلاث مئة ، فاستقبل القبلة ، فجعل يدعو ويقول : «اللهمّ أنْجِزْ لي ما وَعَدَتْني اللّهُمّ إنْ تَهْلِكَ هَذهِ العِصَابَةُ مِنْ أهْلِ الإسْلامِ ، لا تُعْبَدْ فِي الأرْضِ » فلم يزل كذلك حتى سقط رداؤه ، وأخذه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فوضع رداءه عليه ، ثم التزمه من ورائه ، ثم قال : كفاك يا نبيّ الله بأبي وأمي مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله : إذْ تَسْتَغِثُونَ رَبّكُمْ فاسْتَجابَ لَكُمْ أنّي مُمِدّكُمْ بألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قال : لما اصطفّ القوم ، قال أبو جهل : اللهمّ أولانا بالحقّ فانصره ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ، فقال : «يا رَبّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصَابَةُ فَلَنْ تُعْبَدَ فِي الأرْضِ أبَدا » .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : قام النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : «اللّهُمّ رَبّنا أنْزَلْتَ عَليّ الكِتابَ ، وأمَرْتَنِي بالقِتالِ ، وَوَعَدْتَنِي بالنّصْرِ ، وَلا تُخْلِفُ المِيعادَ » فأتاهُ جِبرِيل عليه السلام ، فأنزل الله : ألَنْ يَكْفِيَكُمْ أنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا وَيأتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوّمِينَ .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن ابن إسحاق ، عن زيد بن يُثَيْع قال : كان أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش ، فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو ، يقول : «اللّهُمّ انْصُرْ هَذِهِ العِصَابَةَ ، فإنّكَ إنْ لَمْ تَفْعَلْ لَنْ تُعْبَدَ في الأرْض » قال : فقال أبو بكر : بَعْضَ مناشدتك منجزك ما وعدك .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : أقبل النبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو الله ويستغيثه ويستنصره ، فأنزل الله عليه الملائكة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ قال : دعا النبيّ صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ : أي بدعائكم حين نظروا إلى كثرة عدوّهم وقلة عددهم ، فاستجاب لكم بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعائكم معه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، قال : لما كان يوم بدر ، جعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يناشد ربه أشدّ النشدة ، يدعو فأتاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا رسول الله بعض نشدتك ، فوالله ليفينّ الله لك بما وعدك .
وأما قوله : أنّي مُمِدّكُمْ بألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ فقد بينا معناه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : أنّي مُمِدّكُمْ بألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ يقول : المزيد ، كما تقول : ائت الرجل فزده كذا وكذا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أحمد بن بشير ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن ابن عباس : مُرْدِفِينَ قال : متتابعين .
قال : ثني أبي ، عن سفيان ، عن هارون بن عنترة ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : مُمِدّكُمْ بألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ قال : وراء كلّ ملك ملك .
حدثني ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن أبي كدينة يحيى بن المهلب ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : مُرْدِفِينَ قال : متتابعين .
قال : حدثنا هانىء بن سعيد ، عن حجاج بن أرطأة ، عن قابوس ، قال : سمعت أبا ظبيان يقول : مُرْدِفِينَ قال : الملائكة بعضهم على إثر بعض .
قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : مُرْدِفِينَ قال : بعضهم على إثر بعض .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : مُرْدِفِينَ قال : ممدين . قال ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير قال : مُرْدِفِينَ الإرداف : الإمداد بهم .
حدثني بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : بألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ أي متتابعين .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : بألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ يتبع بعضهم بعضا .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : مُرْدِفِينَ قال : المردفين بعضهم على إثر بعض ، يتبع بعضهم بعضا .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : بألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ يقول : متتابعين يوم بدر .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة : «مُرْدَفِينَ » بنصب الدال . وقرأه بعض المكيين وعامّة قرّاء الكوفيين والبصريين : مُرْدِفِينَ . وكان أبو عمرو يقرؤه كذلك ، ويقول فيما ذُكر عنه : هو من أردف بعضهم بعضا . وأنكر هذا القول من قول أبي عمرو بعض أهل العلم بكلام العرب ، وقال : إنما الإرداف : أن يحمل الرجل صاحبه خلفه ، قال : ولم يسمع هذا في نعت الملائكة يوم بدر .
واختلف أهل العلم بكلام العرب في معنى ذلك إذا قرىء بفتح الدال أو بكسرها ، فقال بعض البصريين والكوفيين : معنى ذلك إذا قرىء بالكسر أن الملائكة جاءت يتبع بعضهم بعضا على لغة من قال : أردفته وقالوا : العرب تقول : أردفته وردفته ، بمعنى : تبعته وأتبعته . واستشهد لصحة قولهم ذلك بما قال الشاعر :
إذَا الجَوْزَاءُ أرْدَفَتِ الثّرَيّا ***ظَنَنْتُ بِآلِ فاطِمَة الظّنُونا
قالوا : فقال الشاعر : «أردفت » ، وإنما أراد «ردفتُ » جاءت بعدها ، لأن الجوزاء تجىء بعد الثريا . وقالوا معناه إذا قرىء مُرْدَفِينَ أنه مفعول بهم ، كأن معناه : بألف من الملائكة يُردف الله بعضهم بعضا .
وقال آخرون : معنى ذلك إذا كسرت الدال : أردفت الملائكة بعضها بعضا ، وإذا قرىء بفتحها : أردف الله المسلمين بهم .
والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأ : بألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ بكسر الدال لإجماع أهل التأويل على ما ذكرت من تأويلهم أن معناه : يتبع بعضهم بعضا ومتتابعين . ففي إجماعهم على ذلك من التأويل الدليل الواضح على أن الصحيح من القراءة ما اخترنا في ذلك من كسر الدال ، بمعنى : أردف بعض الملائكة بعضا ، ومسموع من العرب : جئت مِرْدِفا لفلان : أي جئت بعده .
وأما قول من قال : معنى ذلك إذا قرىء «مُرْدَفِينَ » بفتح الدال : أن الله أردف المسلمين بهم ، فقول لا معنى له إذ الذكر الذي في مردفين من الملائكة دون المؤمنين .
وإنما معنى الكلام : أن يمدّكم بألف من الملائكة يردَف بعضهم ببعض ، ثم حذف ذكر الفاعل ، وأخرج الخبر غير مسمى فاعله ، فقيل : مُرْدَفِينَ بمعنى : مردَف بعضُ الملائكة ببعض ، ولو كان الأمر على ما قاله من ذكرنا قوله وجب أن يكون في المردَفين ذكر المسلمين لا ذكر الملائكة ، وذلك خلاف ما دلّ عليه ظاهر القرآن .
وقد ذكر في ذلك قراءة أخرى ، وهي ما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : قال عبد الله بن يزيد : «مُرْدِفِينَ » ، ومُرْدَفِينَ و «مُرْدّفِينَ » ، مثقل على معنى : مُرْتَدِفين .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا يعقوب بن محمد الزهري ، قال : ثني عبد العزيز بن عمران عن الربعي ، عن أبي الحويرث ، عن محمد بن جبير ، عن عليّ رضي الله عنه ، قال : نزل جبريل في ألف من الملائكة عن ميمنة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وفيها أبو بكر رضي الله عنه ، ونزل ميكائيل عليه السلام في ألف من الملائكة عن ميسرة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأنا فيها .