تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ} (157)

{ أُولَئِكَ } الموصوفون بالصبر المذكور { عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ } أي : ثناء وتنويه بحالهم { وَرَحْمَةٌ } عظيمة ، ومن رحمته إياهم ، أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر ، { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } الذين عرفوا الحق ، وهو في هذا الموضع ، علمهم بأنهم لله ، وأنهم إليه راجعون ، وعملوا به وهو هنا صبرهم لله .

ودلت هذه الآية ، على أن من لم يصبر ، فله ضد ما لهم ، فحصل له الذم من الله ، والعقوبة ، والضلال والخسار ، فما أعظم الفرق بين الفريقين وما أقل تعب الصابرين ، وأعظم عناء الجازعين ، فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها ، لتخف وتسهل ، إذا وقعت ، وبيان ما تقابل به ، إذا وقعت ، وهو الصبر ، وبيان ما يعين على الصبر ، وما للصابر من الأجر ، ويعلم حال غير الصابر ، بضد حال الصابر .

وأن هذا الابتلاء والامتحان ، سنة الله التي قد خلت ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، وبيان أنواع المصائب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ} (157)

وهؤلاء هم الذين يعلن المنعم الجليل مكانهم عنده جزاء الصبر الجميل :

( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ، وأولئك هم المهتدون ) . .

صلوات من ربهم . . يرفعهم بها إلى المشاركة في نصيب نبيه الذي يصلي عليه هو وملائكته سبحانه . . وهو مقام كريم . . ورحمة . . وشهادة من الله بأنهم هم المهتدون . .

وكل أمر من هذه هائل عظيم . .

وبعد . . فلا بد من وقفة أمام هذه الخاتمة في تلك التعبئة للصف الإسلامي . التعبئة في مواجهة المشقة والجهد ، والاستشهاد والقتل ، والجوع والخوف ، ونقص الأموال والأنفس والثمرات . التعبئة في هذه المعركة الطويلة الشاقة العظيمة التكاليف .

إن الله يضع هذا كله في كفة . ويضع في الكفة الأخرى أمرا واحدا . . صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون . . إنه لا يعدهم هنا نصرا ، ولا يعدهم هنا تمكينا ، ولا يعدهم هنا مغانم ، ولا يعدهم هنا شيئا إلا صلوات الله ورحمته وشهادته . . لقد كان الله يعد هذه الجماعة لأمر أكبر من ذواتها وأكبر من حياتها . فكان من ثم يجردها من كل غاية ، ومن كل هدف ومن كل رغبة من الرغبات البشرية - حتى الرغبة في انتصار العقيدة - كان يجردها من كل شائبة تشوب التجرد المطلق له ولطاعته ولدعوته . . كان عليهم أن يمضوا في طريقهم لا يتطلعون إلى شيء إلا رضى الله وصلواته ورحمته وشهادته لهم بأنهم مهتدون . . هذا هو الهدف ، وهذه هي الغاية ، وهذه هي الثمرة الحلوة التي تهفو إليها قلوبهم وحدها . . فأما ما يكتبه الله لهم بعد ذلك من النصر والتمكين فليس لهم ، إنما هو لدعوة الله التي يحملونها .

إن لهم في صلوات الله ورحمته وشهادته جزاء . جزاء على التضحية بالأموال والأنفس والثمرات . وجزاء على الخوف والجوع والشدة . وجزاء على القتل والشهادة . . إن الكفة ترجح بهذا العطاء فهو أثقل في الميزان من كل عطاء . أرجح من النصر وأرجح من التمكين وأرجح من شفاء غيظ الصدور . .

هذه هي التربية التي أخذ الله بها الصف المسلم ليعده ذلك الإعداد العجيب ، وهذا هو المنهج الإلهي في التربية لمن يريد استخلاصهم لنفسه ودعوته ودينه من بين البشر أجمعين .