تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّيٓ ءَايَةٗۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمۡزٗاۗ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِيرٗا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ} (41)

فقال زكريا عليه السلام استعجالا لهذا الأمر ، وليحصل له كمال الطمأنينة { رب اجعل لي آية } أي : علامة على وجود الولد قال { آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا } أي : ينحبس لسانك عن كلامهم من غير آفة ولا سوء ، فلا تقدر إلا على الإشارة والرمز ، وهذا آية عظيمة أن لا تقدر على الكلام ، وفيه مناسبة عجيبة ، وهي أنه كما يمنع نفوذ الأسباب مع وجودها ، فإنه يوجدها بدون أسبابها ليدل ذلك أن الأسباب كلها مندرجة في قضائه وقدره ، فامتنع من الكلام ثلاثة أيام ، وأمره الله أن يشكره ويكثر من ذكره بالعشي والإبكار ، حتى إذا خرج على قومه من المحراب { فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيًّا } أي : أول النهار وآخره .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّيٓ ءَايَةٗۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمۡزٗاۗ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِيرٗا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ} (41)

33

ولكن زكريا لشدة لهفته على تحقق البشرى ، ولدهشة المفاجأة في نفسه ، راح يطلب إلى ربه أن يجعل له علامة يسكن إليها :

( قال : رب اجعل لي آية . . . ) . .

هنا يوجهه الله سبحانه إلى طريق الاطمئنان الحقيقي ؛ فيخرجه من مألوفه في ذات نفسه . . إن آيته أن يحتبس لسانه ثلاثة أيام إذا هو اتجه إلى الناس ؛ وأن ينطلق إذا توجه إلى ربه وحده يذكره ويسبحه :

( قال : آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا . واذكر ربك كثيرا . وسبح بالعشي والإبكار )

ويسكت السياق هنا . ونعرف أن هذا قد كان فعلا . فإذا زكريا يجد في ذات نفسه غير المألوف في حياته وحياة غيره . . لسانه هذا هو لسانه . . ولكنه يحتبس عن كلام الناس وينطلق لمناجاة ربه . . أي قانون يحكم هذه الظاهرة ؟ إنه قانون الطلاقة الكاملة للمشيئة العلوية . . فبدونه لا يمكن تفسير هذه الغريبة . . كذلك رزقه بيحيى وقد بلغه الكبر وامرأته عاقر ! ! !