بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّيٓ ءَايَةٗۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمۡزٗاۗ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِيرٗا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ} (41)

ثم قال تعالى : { قَالَ رَبّ اجعل لي آيَةً } يعني اجعل لي علامة حين حملت امرأتي أعرف { قَالَ آيتك } يعني علامة الحبل { أَلاَّ تُكَلّمَ الناس ثلاثة أَيَّامٍ } يعني أنك تصبح ، فلا تطيق الكلام ثلاثة أيام { إِلاَّ رَمْزًا } أي كلاماً خَفِيّاً . ويقال : الرمز بالشفتين والحاجبين ، والإيماء باليد والرأس .

قال بعضهم : كان منع الكلام عقوبة له ، لأنه بُشِّر بالولد ، فسأل آية فحبس الله لسانه عن الناس ثلاثة أيام ، ولم يحبسه عن ذكر الله ، وعن الصلاة . وقال بعضهم : لم يكن عقوبة ، ولكن كانت كرامة له ، حين جعلت له علامة لظهور الحبل ، ومعجزة له . وروى أسباط عن السدي أنه قال : لما بُشِّر بيحيى قال له الشيطان : إن النداء الذي سمعت بالبشارة من الشيطان ، ولو كان من الله ، لأوحى إليك ، كما أوحى إلى سائر الأنبياء . فقال عند ذلك : { اجْعَل لي آية } حتى أعلم أن هذه البشارة منك . قال : { آيتك أَلاَّ تُكَلّمَ الناس ثلاثة أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزا } .

وقال في آية أخرى : { قَالَ رَبِّ اجعل لي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ الناس ثلاث لَيَالٍ سَوِيّاً } [ مريم : 10 ] ، يعني أنك مستوي الخَلْق ، ولا علة بك ، ثم أمره بذكر ربه ، لأن لسانه لم يمنع عن ذكر الله تعالى فقال : { واذكر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبّحْ بالعشي والإبكار } يعني بالغداة والعَشِيِّ ويقال بالليل والنهار .