الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّيٓ ءَايَةٗۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمۡزٗاۗ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِيرٗا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ} (41)

{ ءَايَةً } علامة أعرف بها الحبل لأتلقى النعمة إذا جاءت بالشكر { قَالَ ءَايَتُكَ أَلاَّ } تقدر على تكليم الناس { ثلاثة أَيَّامٍ } وإنما خص تكليم الناس ليعلمه أنه يحبس لسانه عن القدرة على تكليمهم خاصة ، مع إبقاء قدرته على التكلم بذكر الله ، ولذلك قال : { واذكر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبّحْ بالعشى والإبكار } يعني في أيام عجزك عن تكليم الناس ، وهي من الآيات الباهرة .

فإن قلت : لم حبس لسانه عن كلام الناس ؟ قلت : ليخلص المدّة لذكر الله لا يشغل لسانه بغيره ، توفراً منه على قضاء حق تلك النعمة الجسيمة ، وشكرها الذي طلب الآية من أجله ، كأنه لما طلب الآية من أجل الشكر قيل له : آيتك أن تحبس لسانك إلا عن الشكر . وأحسن الجواب وأوقعه ما كان مشتقا من السؤال . ومنتزعاً منه { إِلاَّ رَمْزًا } إلا إشارة بيد أو رأس أو غيرهما وأصله التحرّك . يقال ارتمز : إذا تحرّك . ومنه قيل للبحر الراموز . وقرأ يحيى ابن وثاب «إلا رمزاً » بضمتين ، جمع رموز كرسول ورسل . وقرئ : «رمزاً » بفتحتين جمع رامز كخادم وخدم ، وهو حال منه ومن الناس دفعة كقوله :

مَتَى مَا تَلْقَني فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ*** رَوَانِفُ إلْيَتَيْكَ وَتُسْتَطَارَ

بمعنى إلا مترامزين ، كما يكلم الناس الأخرس بالإشارة ويكلمهم . والعشيّ : من حين تزول الشمس إلى أن تغيب . و { والإبكار } من طلوع الفجر إلى وقت الضحى . وقرئ «والأبكار » ، بفتح الهمزة جمع بكر كسحر وأسحار . يقال : أتيته بكراً بفتحتين .

فإن قلت : الرمز ليس من جنس الكلام ؛ فكيف استثنى منه ؟ قلت : لما أدّى مؤدّى الكلام وفهم منه ما يفهم منه سمي كلاماً . ويجوز أن يكون استثناء منقطعاً .