تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ} (7)

وهي { إِرَمَ } القبيلة المعروفة في اليمن { ذَاتِ الْعِمَادِ } أي : القوة الشديدة ، والعتو والتجبر .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ} (7)

قوله : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِعادٍ إرَمَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تنظر يا محمد بعين قلبك ، فترى كيف فعل ربك بعاد ؟ .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : إرَمَ فقال بعضهم : هي اسم بلدة ، ثم اختلف الذين قالوا ذلك في البلدة التي عُنِيت بذلك ، فقال بعضهم : عُنيت به الإسكندرية . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري ، عن أبي صخر ، عن القُرَظي ، أنه سمعه يقول : إرَمَ ذَاتِ الْعِمادِ الإسكندرية .

قال أبو جعفر ، وقال آخرون : هي دِمَشق . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبد الله الهلاليّ من أهل البصرة ، قال : حدثنا عُبيد الله بن عبد المجيد ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن المُقبري بِعادٍ إرَمَ ذَاتِ الْعِمادِ قال : دمشق .

وقال آخرون : عُني بقوله : إرَمَ : أمة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد قوله : إرَمَ قال : أمة .

وقال آخرون : معنى ذلك : القديمة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إرَمَ قال : القديمة .

وقال آخرون : تلك قبيلة من عاد . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِعادٍ إرَمَ ذَاتِ الْعِمادِ قال : كنا نحدّث أن إرم قبيلة من عاد ، بيت مملكة عاد .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : إرَمَ قال : قبيلة من عاد ، كان يقال لهم : إرم ، جدّ عاد . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِعادٍ إرَمَ يقول الله : بعاد إرم ، إن عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح .

وقال آخرون إرَمَ : الهالك . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِعادٍ إرَمَ يعني بالإرم : الهالك ألا ترى أنك تقول : أُرِمَ بنو فلان .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : بِعادٍ إرَمَ الهلاك ألا ترى أنك تقول : أُرِمَ بنو فلان : أي هَلَكُوا .

والصواب من القول في ذلكَ : أن يُقال : إن إرم إما بلدة كانت عاد تسكنها ، فلذلك ردّت على عاد للإتباع لها ، ولم يُجْر من أجل ذلك ، وإما اسم قبيلة فلم يُجْر أيضا ، كما لا يُجْرى أسماء القبائل ، كتميم وبكر ، وما أشبه ذلك إذا أرادوا به القبيلة . وأما اسم عاد فلم يجر ، إذ كان اسما أعجميا .

فأما ما ذُكر عن مجاهد ، أنه قال : عُنِي بذلك القديمة ، فقول لا معنى له ، لأن ذلك لو كان معناه لكان مخفوضا بالتنوين ، وفي ترك الإجراء الدليل على أنه ليس بنعت ولا صفة .

وأشبه الأقوال فيه بالصواب عندي : أنها اسم قبيلة من عاد ، ولذلك جاءت القراءة بترك إضافة عاد إليها ، وترك إجرائها ، كما يقال : ألم تر ما فعل ربك بتميم نهشل ؟ فيترك إجراء نهشل ، وهي قبيلة ، فترك إجراؤها لذلك ، وهي في موضع خفص بالردّ على تميم ، ولو كانت إرم اسم بلدة أو اسم جدّ لعاد لجاءت القراءة بإضافة عاد إليها ، كما يقال : هذا عمرُو زبيدٍ وحاتمُ طيء وأعشى هَمْدانَ ، ولكنها اسم قبيلة منها ، فيما أرى ، كما قال قتادة ، والله أعلم ، فلذلك أجمعت القرّاء فيها على ترك الإضافة ، وترك الإجراء .

وقوله : ذاتِ الْعِمادِ اختلف أهل التأويل في معنى قوله : ذَاتِ الْعِمادِ في هذا الموضع ، فقال بعضهم : معناه : ذات الطول ، وذهبوا في ذلك إلى قول العرب للرجل الطويل : رجل مُعَمّد ، وقالوا : كانوا طوال الأجسام . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ذاتِ الْعِمادِ يعني : طولهم مثل العماد .

حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد قوله : ذَاتِ الْعِمادِ قال : كان لهم جسم في السماء .

وقال بعضهم : بل قيل لهم ذَاتِ الْعِمادِ لأنهم كانوا أهل عَمَد ، ينتجِعون الغيوث ، وينتقلون إلى الكلإ حيث كان ، ثم يرجعون إلى منازلهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : الْعِمادِ قال : أهل عَمود لا يقيمون .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ذَاتِ الْعِمادِ قال : ذُكر لنا أنهم كانوا أهل عَمود لا يقيمون ، سيارة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ذَاتِ الْعِمادِ قال : كانوا أهل عمود .

وقال آخرون : بل قيل ذلك لهم لبناء بناه بعضهم ، فشيّد عَمَده ، ورفع بناءه . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إرَمَ ذَاتِ الْعِمادِ قال : عاد قوم هود ، بنَوها وعملوها حين كانوا في الأحقاف ، قال : لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها مثل تلك الأعمال في البلاد . قال : وكذلك في الأحقاف في حضرموت ، ثم كانت عاد قال : وثَمّ أحقاف الرمل كما قال الله بالأحقاف من الرمل ، رمال أمثال الجبال ، تكون مظلة مجوّفة .

وقال آخرون : قيل ذلك لهم لشّة أبدانهم وقواهم . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : ذَاتِ الْعِمادِ يعني : الشدّة والقوّة .

وأشبه الأقوال في ذلك بما دلّ عليه ظاهر التنزيل : قول من قال : عُنِي بذلك أنهم كانوا أهل عمود سيارة ، لأن المعروف في كلام العرب من العماد ، ما عُمد به الخيام من الخشب ، والسواري التي يحمل عليها البناء ، ولا يعلم بناء كان لهم بالعماد بخبر صحيح ، بل وجّه أهل التأويل قوله : ذَاتِ الْعِمادِ إلى أنه عُنِي به طول أجسامهم ، وبعضهم إلى أنه عُني به عماد خِيامهم ، فأما عِماد البنيان ، فلا يعلم كثير أحد من أهل التأويل وجهه إليه ، وتأويل القرآن إنما يوجه إلى الأغلب الأشهر من معانيه ، ما وُجد إلى ذلك سبيل ، دون الأنكر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ} (7)

ووُصِفَتْ عادٌ ب { ذات العماد } ، و { ذاتُ } وصْف مؤنث لأن المراد بعاد القبيلة .

والعمادُ : عُود غليظ طويلٌ يُقام عليه البيت يركز في الأرض تقام عليه أثواب الخيمة أو القبة ويسمى دَعامةً ، وهو هنا مستعار للقوة تشبيهاً للقبيلة القوية بالبيت ذات العماد .

وإطلاق العِماد على القوة جاء في قول عمرو بن كلثوم "

ونَحن إذا عِمَادُ الحَيِّ خَرَّت *** على الأحْفاض نَمنع من يَلِينا

ويجوز أن يكون المراد ب { العماد } الأعلام التي بنوْها في طرُقهم ليهتدي بها المسافرون المذكورةَ في قوله تعالى : { أتبنون بكل ريع آية تعبثون } [ الشعراء : 128 ] .

ووُصفت عاد ب { ذات العماد } لقوتها وشدتها ، أي قد أهلك الله قوماً هم أشد من القوم الذين كذبوك قال تعالى : { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم } [ محمد : 13 ] وقال : { أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة } [ غافر : 21 ] .

و { التي } : صادق على « عاد » بتأويل القبيلة كما وصفت ب { ذات العماد } والعرب يقولون : تَغلِبُ ابنةُ وائل ، بتأويل تغلب بالقبيلة .