تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلۡعَصۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة والعصر ، [ وهي ] مكية .

{ 1 - 3 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } .

أقسم تعالى بالعصر ، الذي هو الليل والنهار .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلۡعَصۡرِ} (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالْعَصْرِ * إِنّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { وَالْعَصْرِ } فقال بعضهم : هو قَسَم أقسم ربنا تعالى ذكره بالدهر ، فقال : العصر : هو الدهر . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَالْعَصْرِ } قال : العصر : ساعة من ساعات النهار .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن { وَالْعَصْرِ } قال : هو العشيّ .

والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إن ربنا أقسم بالعصر ، { وَالْعَصْرِ } اسم للدهر ، وهو العشيّ والليل والنهار ، ولم يخصص مما شمله هذا الاسم معنى دون معنى ، فكلّ ما لزِمه هذا الاسم فداخل فيما أقسم به جلّ ثناؤه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلۡعَصۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية{[1]} .

قال ابن عباس : { العصر } : الدهر ، يقال فيه : عصر وعصر بضم العين والصاد ، وقال امرؤ القيس :

وهل يعمن من كان في العصر الخالي{[11975]} . . .

وقال قتادة : { العصر } العشي ، وقال أبي بن كعب : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن العصر فقال : «أقسم ربكم بآخر النهار {[11976]} » ، وقال بعض العلماء ، وذكره أبو علي : { العصر } : اليوم ، { والعصر } الليلة ، ومنه قول حميد : [ الطويل ]

ولن يلبث العصران يوم وليلة . . . إذا طلبا أن يدركا ما تيمما{[11977]}

وقال بعض العلماء : { العصر } : بكرة ، والعصر : عشية ، وهما الأبردان{[11978]} ، وقال مقاتل : { العصر } هي الصلاة الوسطى ، أقسم الله تعالى بها{[11979]} .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[11975]:هذا عجز بيت هو مطلع قصيدته: "الطلل البالي" والبيت بتمامه: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي؟ و "عم صباحا" : أنعم صباحا. والخالي: الماضي القديم، يخاطب الطلل كأنه إنسان عاقل، ثم يرجع إلى نفسه ويستدرك لأن النعيم لا يكون أبدا لمن مضى عليه الزمن، وأتت عليه حوادث الأيام وصروف الدهر، وقد استشهد بالبيت صاحب اللسان.
[11976]:ذكره أيضا القرطبي لكنه لم يخرجه.
[11977]:هذا البيت لحميد بن ثور الهلالي، وهو في اللسان، والقرطبي، والبحر المحيط، ومعنى تيمما: قصدا، والشاهد أن العصر هو اليوم وهو الليلة.
[11978]:في اللسان: "البردان والأبردان: الظل والفيء، سميا بذلك لبردهما ، وهما: العصران، وقيل: هما الغداة والعشي، وقيل: ظلاهما".
[11979]:قال العلماء: لأنها أفضل الصلوات وفي الخبر الصحيح (الصلاة الوسطى صلاة العصر) وقال عليه الصلاة والسلام: (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)، متفق عليه، وروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلۡعَصۡرِ} (1)

مقدمة السورة:

ذكر ابن كثير أن الطبراني روى بسنده عن عبيد الله بن حصين قال كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر الخ ما سيأتي .

وكذلك تسميتها في مصاحف كثيرة وفي معظم كتب التفسير وكذلك هي في مصحف عتيق بالخط الكوفي من المصاحف القيروانية في القرن الخامس .

وسميت في بعض كتب التفسير وفي صحيح البخاري { سورة العصر } بإثبات الواو على حكاية أول كلمة فيها ، أي سورة هذه الكلمة .

وهي مكية في قول الجمهور وإطلاق جمهور المفسرين . وعن قتادة ومجاهد ومقاتل أنها مدنية . وروي عن ابن عباس ولم يذكرها صاحب الإتقان في عداد السور المختلف فيها .

وقد عدت الثالثة عشرة في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الانشراح وقبل سورة العاديات .

وآيها ثلاث آيات .

وهي إحدى سور ثلاث هن أقصر السور عدد آيات : هي والكوثر وسورة النصر .

أغراضها

واشتملت على إثبات الخسران الشديد لأهل الشرك ومن كان مثلهم من أهل الكفر بالإسلام بعد أن بلغت دعوته ، وكذلك من تقلد أعمال الباطل التي حذر الإسلام المسلمين منها .

وعلى إثبات نجاة وفوز الذين آمنوا وعملوا الصالحات والداعين منهم إلى الحق .

وعلى فضيلة الصبر على تزكية النفس ودعوة الحق .

وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذوها شعارا لهم في ملتقاهم . روى الطبراني بسنده إلى عبيد الله بن عبد الله بن الحصين الأنصاري من التابعين أنه قال : كان الرجلان من أصحاب رسول الله إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها ثم يسلم أحدهما على الآخر أي سلام التفرق وهو سنة أيضا مثل سلام القدوم .

وعن الشافعي : لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم . وفي رواية عنه : لو لم ينزل إلى الناس إلا هي لكفتهم . وقال غيره : إنها شملت جميع علوم القرآن . وسيأتي بيانه .

أقسم الله تعالى بالعصر قسماً يراد به تأكيد الخبر كما هو شأن أقسام القرآن .

والمقسَم به من مظاهر بديع التكوين الرباني الدال على عظيم قدرته وسعة علمه .

وللعصر معانٍ يتعين أن يَكون المراد منها لا يعدو أن يكون حالة دالة على صفة من صفات الأفعال الربانية ، يتعين إما بإضافته إلى ما يُقدر ، أو بالقرينة ، أو بالعهد ، وأيَّاً ما كان المرادُ منه هنا فإن القسم به باعتبار أنه زمن يذكِّر بعظيم قدرة الله تعالى في خلق العالم وأحواله ، وبأمور عظيمة مباركة مثل الصلاة المخصوصة أو عصرٍ معين مبارك .

وأشهر إطلاق لفظ العصر أنه علَم بالغلبة لوقت ما بين آخر وقت الظهر وبين اصفرار الشمس فمبدؤه إذا صار ظل الجسم مثلَه بعد القَدْر الذي كان عليه عند زوال الشمس ويمتد إلى أن يصير ظلُّ الجسم مثلَيْ قدرِه بعد الظل الذي كان له عند زوال الشمس . وذلك وقت اصفرار الشمس ، والعصر مبدأ العشيّ . ويعقبه الأصيل والاحمرار وهو ما قبل غروب الشمس ، قال الحارث بن حِلزة :

آنستْ نبأة وأفزَعها القَنَّ *** اصُ عَصراً وقَدْ دَنَا الإِمساء

فذلك وقت يؤذن بقرب انتهاء النهار ، ويذكر بخلقة الشمس والأرض ، ونظام حركة الأرض حول الشمس ، وهي الحركة التي يتكون منها الليل والنهار كل يوم وهو من هذا الوجه كالقسم بالضحى وبالليل والنهار وبالفجر من الأحوال الجوية المتغيرة بتغير توجه شعاع الشمس نحو الكرة الأرضية .

وفي ذلك الوقت يتهيأ الناس للانقطاع عن أعمالهم في النهار كالقيام على حقولهم وجنَّاتهم ، وتجاراتهم في أسواقهم ، فيذكر بحكمة نظام المجتمع الإِنساني وما ألهم الله في غريزته من دأب على العمل ونظامٍ لابتدائه وانقطاعه . وفيه يتحفز الناس للإِقبال على بيوتهم لمبيتهم والتأنس بأهليهم وأولادهم . وهو من النعمة أو من النعيم ، وفيه إيماء إلى التذكير بمَثَل الحياة حين تدنو آجال الناس بعد مضي أطوار الشباب والاكتهال والهَرم .

وتعريفه باللام على هذه الوجوه تعريف العهد الذهني أي كل عَصْر .

ويطلق العصر على الصلاة الموقتة بوقت العَصر . وهي صلاة معظمة . قيل : هي المراد بالوسطى في قوله تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } [ البقرة : 238 ] . وجاء في الحديث : « من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهلَه ومالَه » . وورد في الحديث الصحيح : « ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة » فذَكَر « ورجل حلف يميناً فاجرة بعد العصر على سلعة لقد أعطي بها ما لم يُعْطَ » وتعريفه على هذا تعريف العهد وصار علَماً بالغلبة كما هو شأن كثير من أسماء الأجناس المعرفة باللام مثل العَقَبَة .

ويطلق العصر على مدة معلومة لوجود جِيل من الناس ، أو مَلِك أو نبيء ، أو دين ، ويعيَّن بالإِضافة ، فيقال : عصر الفِطَحْل ، وعصر إبراهيم ، وعصر الإِسكندر ، وعصر الجاهلية ، فيجوز أن يكون مراد هذا الإِطلاق هنا ويكون المعنيّ به عصرَ النبي صلى الله عليه وسلم والتعريف فيه تعريف العهد الحضوري مثل التعريف في ( اليوم ) من قوْلك : فعلت اليوم كذا ، فالقسم به كالقسم بحياته في قوله تعالى : { لعمرك } [ الحجر : 72 ] . قال الفخر : فهو تعالى أقسم بزمانه في هذه الآية وبمكانه في قوله تعالى : { وأنت حل بهذا البلد } [ البلد : 2 ] وبعمره في قوله : { لعمرك } . اه .

ويجوز أن يراد عصر الإِسلام كلِه وهو خاتمة عصور الأديان لهذا العالم وقد مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم عصر الأمة الإِسلامية بالنسبة إلى عصر اليهود وعصر النصارى بما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس بقوله : « مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر أجراء يعملون له يوماً إلى الليل فعملت اليهود إلى نصف النهار ثم قالوا : لا حاجة لنا إلى أجرك وما عملنا باطل ، واستأجر آخرين بعدهم فقال : أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا : لك ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلتَ لنا ، واستأجر قوماً أن يعملوا بقيةَ يومهم فعملوا حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كليهما فأنتم هُم » . فلعل ذلك التمثيل النبوي له اتصال بالرمز إلى عصر الإِسلام في هذه الآية .

ويجوز أن يفسر العصر في هذه الآية بالزمان كله ، قال ابن عطية : قال أبي بن كعب : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العصر فقال : أقسم ربكم بآخر النهار . وهذه المعاني لا يفي باحتمالها غير لفظ العصر .

ومناسبة القَسَم بالعَصر لغرض السورة على إرادة عصر الإِسلام ظاهرة فإنها بينت حال الناس في عصر الإِسلام بين مَن كفر به ومن آمن واستوفى حظه من الأعمال التي جاء بها الإِسلام ، ويعرف منه حالُ من أسلموا وكان في أعمالهم تقصير متفاوت ، أما أحوال الأمم التي كانت قبل الإِسلام فكانت مختلفة بحسب مجيء الرسل إلى بعض الأمم ، وبقاء بعض الأمم بدون شرائع متمسكة بغير دين الإِسلام من الشرك أو بدين جاء الإِسلام لنسخه مثل اليهودية والنصرانية قال تعالى : { من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } في سورة آل عمران ( 85 ) .